نهاية حقبة.. لوبان أو ماكرون لرئاسة فرنسا

كومبو للمرشحيْن المتوقع فوزهما: إيمانويل ماكرون ومارين لوبان
لوبان وماكرون يتنافسان على منصب رئيس الجمهورية الفرنسية يجولة الإعادة يوم 7 مايو/أيار (الأوروبية)

زهير حمداني

صدقت استطلاعات الرأي التي وضعت منذ نحو شهرين المرشحين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكن نتيجة الجولة الأولى -وإن كانت منتظرة- مثلت هزة كبرى للمشهد السياسي الفرنسي، وأنهت إرثا سياسيا استمر لعقود.

وبنهاية الحملة الانتخابية -التي حفلت بالمفاجآت من الانتخابات التمهيدية لليسار واليمين إلى تقلبات نتائج استطلاعات الرأي- تصدر مرشح حركة "إلى الأمام" إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى بنسبة 24% من الأصوات، وجاءت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان في المرتبة الثانية بحصولها على23% من الأصوات.

وقلصت الاستطلاعات قبيل الجولة الأولى نسبيا من حدة الصدمة، لكن المفاجأة جاءت بوصول مرشح شاب هو ماكرون (39 عاما) إلى المرحلة الثانية، الذي دخل الحياة السياسية بحركته "إلى الأمام" قبل نحو عام ولا يحظى بدعم كبير من الطبقة السياسية على الأقل في البداية.

من جهة أخرى، حققت لوبان (48 عاما) وجبهتها الوطنية نتيجة تاريخية بوصولها إلى الجولة الثانية بعد حصولها على نحو سبعة ملايين صوت، ما يؤشر أيضا إلى تغير كبير في هيكلة الحياة السياسية الفرنسية.

‪إيمانويل ماكرون أكد أن النتيجة تطوي صفحة من الحياة السياسية الفرنسية‬ إيمانويل ماكرون أكد أن النتيجة تطوي صفحة من الحياة السياسية الفرنسية (رويترز)
‪إيمانويل ماكرون أكد أن النتيجة تطوي صفحة من الحياة السياسية الفرنسية‬ إيمانويل ماكرون أكد أن النتيجة تطوي صفحة من الحياة السياسية الفرنسية (رويترز)

زلزال سياسي
وتتمثل المفاجأة في أنها ضربت بنية النظام السياسي الفرنسي الذي ارتكز منذ عقود على احتكار للسلطة وكرسي الإليزيه بين مرشحيْ اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي، وذهبت صحيفة لوفيغارو إلى وصف ما حصل بأنه "زلزال جديد" واعتبرت النتائج "ضربة قاضية لليمين".

وتشير الصحيفة إلى أن وصول ماكرون ولوبان إلى الدور الثاني، وكذلك النسبة التي حصل عليها مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون (19.6%) تعد زلزالا سياسيا لا مثيل له منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958.

ولم يجانب ماكرون الحقيقة، حينما قال بعيد صدور النتائج إنها "تطوي بوضوح صفحة من الحياة السياسية الفرنسية" مؤكدا أن حركته التي غيرت المشهد في عام واحد -على حد وصفه- تسعى إلى "إحداث القطيعة مع منظومة دامت ثلاثين عاما".

وعمليا أطاحت قضية الوظائف الوهمية بمرشح يمين الوسط (الجمهوريين) فرانسوا فيون حيث حل ثالثا بحصوله على 20% من الأصوات، بينما حصل مرشح الحزب الاشتراكي (وهو حزب الرئيس هولاند) بونوا هامون على 6.4% وهي نسبة وصفها بنفسه بأنها "كارثة".

والنتائج الحاصلة تشير إلى فشل المنظومة السياسية القديمة والأحزاب التقليدية في إيجاد بدائل في الحياة السياسية الفرنسية، مما جعل الناخب يلجأ إلى وجوه جديدة وإن كانت عديمة الخبرة مثل ماكرون، أو الاتجاه إلى أقصى اليمين بانتخاب مارين لوبان، أو أقصى اليسار.

وصعود لوبان إلى الدور الثاني بهذه النسبة الكبيرة وغير المسبوقة في تاريخ اليمين المتطرف في فرنسا مثل مفاجأة كبرى، وأثار المخاوف من حصول مفاجأة أكبربالجولة الثانية يوم 7 مايو/أيار.

وتشير صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أن السخط الشعبي المتنامي في الغرب إزاء أداء السياسيين، وتفاقم الأزمات الاقتصادية هو البيئة الخصبة التي ساعدت لوبان على التأهل للجولة الثانية لانتخابات الرئاسة.

وترى لوبان أن تأهلها إلى الجولة الثانية بمثابة "انتصار للوطنيين" وأنه يمثل أيضا "استفتاء على العولمة العشوائية التي تمثل خطرا على حضارتنا"، في وقت وصفت ماكرون بأنه "مرشح المال الذي لا يدافع عن مصالح الشعب، بل عن مصالح القوى المالية الكبرى، والمصارف الكبرى".

وفي المحصلة، فإن النتائج أنهت المنظومة السياسية القديمة، وحملت إلى الجولة الثانية والحاسمة مرشحين جديدين ومتناقضين على مستوى الطروحات والبرامج، لكن يجمع بينهما عامل واحد يجسد القطيعة مع "النظام السياسي التقليدي القائم".

‪لوبان أكدت أن وصولها إلى الدور الثاني بمثابة انتصار للوطنيين‬ لوبان أكدت أن وصولها إلى الدور الثاني بمثابة انتصار للوطنيين (رويترز)
‪لوبان أكدت أن وصولها إلى الدور الثاني بمثابة انتصار للوطنيين‬ لوبان أكدت أن وصولها إلى الدور الثاني بمثابة انتصار للوطنيين (رويترز)

جولة شبه محسومة
وطبقا للنتائج والحراك السياسي الذي تبعها والاستطلاعات السابقة، تبدو فرص ماكرون أكبر للوصول إلى منصب الرئاسة، لا سيما بعد أن أعلن المرشحان الخاسران بونواهامون وفرانسوا فيون دعمهما له، واستمرار التقاليد السياسية بتوحد اليمين واليسار ضد اليمين المتطرف لمنع وصوله إلى السلطة.

وقال هامون بعد صدور النتائج "يجب أن نصوت لماكرون رغم أنه ليس من اليسار ولا يمثله، أدعو إلى أن نضرب بقوة الجبهة الوطنية ونهزم هذا اليمين المتشدد".

ويحظى ماكرون أيضا بدعم أوروبي كبير تجسد من خلال رسائل التهنئة التي تلقاها من زعماء بينهم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.

ويتخوف الأوروبيون من صعود لوبان إلى الرئاسة ببرنامجها السياسي الذي يدعو إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وموقفها المتشدد من الهجرة واللاجئين مما سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني.

ومقابل طروحات لوبان المعادية للاتحاد الأوروبي، يدعو ماكرون إلى التمسك بالاتحاد والعملة الأوروبية الموحدة، مما جعله المرشح المفضل للمؤسسات الأوروبية.

وتقول واشنطن بوست إنه "في حال فوز ماكرون في الجولة الثانية المقررة يوم 7 مايو/أيار، فإن قادة الاتحاد الأوروبي وقادة حلف الناتو وقادة الأسواق المالية سيتنفسون الصعداء".

وكان معهد "إيبسوس سوبرا ستيريا" قد أفاد بأن ماكرون سيحصل على 62% من الأصوات مقابل 38% للوبان في الجولة الثانية، بينما أورد معهد "هاريس إنترأكتيف" أن الفارق سيكون أكبر مع 64% من الأصوات لماكرون و36% للوبان.

وعلى ضوء هذه الأرقام ونتائج الجولة الأولى، يركن جزء كبير من الرأي العام الفرنسي إلى فوز ماكرون بجولة 7 مايو/أيار، ووضعت صحيفة ليبراسيون الفرنسية اليسارية ماكرون "على مسافة عتبة" من قصر الإليزيه، في وقت لم تستبعد واشنطن بوست "البدائل الكارثية، وسط الأزمات التي يعانيها الغرب".

وينتظر الفرنسيون في يونيو/حزيران القادم استحقاقا انتخابيا مهما لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) وهو اختبار سياسي قد يكون رجع صدى لنتائج الرئاسيات، ويفضي إلى تأكيد التحول الكبير بالمنظومة السياسية الفرنسية وتواصل هبوط أسهم الأحزاب التقليدية.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الفرنسية