بن بيتور: الجزائر تعيش حالة الدولة المميعة

أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية السابق
بن بيتور تمنى أن يتواجد التيار الإسلامي بقوة داخل البرلمان القادم (الجزيرة)

حاورته بالجزائر: أميمة أحمد

حذّر رئيس الحكومة الجزائرية السابق أحمد بن بيتور من تداعيات خطورة الأوضاع في الجزائر، واصفا إياها بـ"الدولة المميعة". وقال في حوار مع الجزيرة نت إن الانتخابات التشريعية المقبلة تحدد السلطات نتائجها مسبقا، ولذلك فلن تتغير موازين القوى في النظام، مؤكدا أن الخروج من أزمة الجزائر يكمن في تغيير النظام سلميا وليس في تغيير الأشخاص.

وعبر بن بيتورعن أمله في أن يتواجد التيار الإسلامي بقوة داخل البرلمان القادم، ليبلغ الطلب -من داخل مؤسسة رسمية- بتغيير منظومة الحكم خدمة للأمة الجزائرية.

وعن واقع الاستثمار في الجزائر بعد الطفرة النفطية، قال إن الاستثمارات وقتها كانت موجهة أساسا للبنية التحتية، ولم تهتم بقطاع الإنتاج، فكانت النتيجة توسيع الفساد والتبعية المفرطة للخارج.

وفيما يأتي نص الحوار:

undefined تعيش الجزائر على وقع الانتخابات التشريعية المقررة في 4 مايو/أيار المقبل، ورغم تشكيك المعارضة بنزاهة هذه الانتخابات، فإن أغلبيتها تشارك فيها وتتخوف من هيمنة المال السياسي عليها. ما رأيكم؟

استخدام المال السياسي ليس جديدا، لكن المخاوف تأتي من تحديد النتائج مسبقا من طرف السلطات القائمة على تنظيم الانتخابات، لأن هذه السلطات تفننت في تنظيم انتخابات بالتعددية ولكن دون تغيير في توازن القوى القائمة. المال السياسي يستخدم فقط في ترتيب رؤوس قوائم المترشحين ومن هنا تحديد الناجحين قبل عملية التصويت.

undefined هل تشككون في عملية الانتخابات كلها؟

التشكيك أساسا يهم عملية تنظيم الانتخابات لأن التزوير مستمر منذ زمن بعيد، وكما قلت آنفا تتفنن السلطات في عملية تنظيم الانتخابات دون تغيير لموازين القوى القائمة، وبالتالي لا ننتظر من الانتخابات القادمة أي تغيير فيما يخص التوازنات السياسية الحالية في النظام الحاكم.

undefined ما شروط نزاهة الانتخابات من وجهة نظركم؟

أولا، أن تكون الحرية تامة للمترشحين، لأن النظام يترشح بالقوائم، وبالتالي تنظيم تلك القائمة يخضع لقبول أو عدم قبول المشرفين على الاقتراع.

ثانيا، حتى لو كانت الانتخابات مراقبة في مكاتب التصويت، فالنتائج تأتي من الجهة التي نظّمت الاقتراع. إضافة إلى ذلك، لما تعطي أولوية لحزب موال مثل جبهة التحرير أو التجمع الوطني الديمقراطي، أو تضع مرشحا منهما على رأس القائمة الانتخابية، يكون فوزه مؤكدا في الانتخابات. كل هذه العوامل لتنظيم انتخابات تظهر أنها نزيهة، ولكن فعليا نتائجها محددة مسبقا.

undefined اللافت قبيل الانتخابات أن التيار الإسلامي توحد في قطبين ليخوض الانتخابات أملا بحصة أوفر في مقاعد البرلمان للتأثير في صناعة القرار. بصفتكم أحد المحسوبين على هذا التيار، هل يمكن للإسلاميين التأثير في القرار ونتائج الانتخابات محددة مسبقا بحسب قولكم؟

أولا، ومن باب التدقيق أنا لست محسوبا على أي تيار، لم أكن منخرطا في حزب ولا في تيار، حتى عند وجودي في أعلى مستويات الجهاز التنفيذي كوزير وكرئيس حكومة كنت في خدمة الوطن وليس في خدمة النظام. ولما بدا لي أن النظام لم يتوجه إلى خدمة الوطن استقلت من منصب وزير المالية عام 1996، ومن منصب رئيس الحكومة عام 2000، وأتمتع بكل حرية في عملي السياسي.

وفيما يخص التأثير على القرار داخل البرلمان، فهذا الأخير ليست له إمكانية أخذ القرار، ومنذ إعادة تأسيس البرلمان في وجهه الجديد أواسط التسعينيات، لم يصادق على أي قانون جاء من داخله. لذلك أتمنى أن يتواجد التيار الإسلامي بقوة داخل البرلمان القادم، ليبلغ الطلب -من داخل المؤسسات الرسمية- لتغيير منظومة الحكم خدمة للأمة الجزائرية.

undefined في مبادرتكم للتغيير ترون أن التغيير الإيجابي يتم بتوفر ثلاثة عوامل، هي: "ضغط المجتمع المدني على النظام، وتحالف قوى سياسية واجتماعية تريد التغيير، وصاعق التفجير للتغيير".

وقد عرفت الجزائر احتجاجات اجتماعية كثيرة خلال السنوات الماضية. وفي يونيو/حزيران 2014 تأسست تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، وهي أكبر تحالف للمعارضة بعد الاستقلال عام 1962، يضاف لهذين العاملين فضائح فساد عاصفة واختلاسات بمليارات الدولارات هزت الرأي العام ومثلت أكبر من "صاعق تفجير". لكن لم يحدث أي مؤشر للتغيير، ما تفسيركم لذلك؟

بالتأكيد هذه ثلاثة مؤشرات توفر الظروف الملائمة لتغيير النظام، لكن لم يتغير النظام فهل يعني ذلك أن تجربة الجزائر تُكذّب هذه النظرية؟ لا أبدا، لنحلل تلك المؤشرات وفق حالة الجزائر.

أولا: ضغط المجتمع كان لمطالب اجتماعية كالسكن والعمل وغيرها أكثر مما كانت في طلب التغيير، والبحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر جعلت النظام يستعمل الريع في خدمة توسيع رقعة حلقة المصفقين، مثلا عند مظاهرات يناير/كانون الثاني 2011 كان الرد بزيادة نفقات ميزانية التسيير للدولة بـ47% في 2011 مقارنة بميزانية 2010.

ثم إن المجتمع يعاني من خمسة أمراض هي: غياب الأخلاق الجماعية، والفساد المعمم، والعنف الذي أصبح وسيلة مفضلة لفض النزاعات بين أفراد المجتمع وبين مجموعة الأشخاص والدولة، والقدرية، والفردانية.

كل هذه العوامل تتوفر في مجتمع لا تنتظر منه أن يقوم بواجبه بالتغيير، ومن هنا فنحن في حاجة للعمل على تكوين المواطنة عند أفراد المجتمع، بحيث يصبحون واعين بضرورة تغيير نظام الحكم والتعبير سلميا عن المطالبة بهذا التغيير.

ثانيا، فيما يخص التحالف لقوى سياسية ومدنية، عملنا على تأسيس تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي بدأت عملها قبل الانتخابات الرئاسية في 2014، وبعدها عملنا على توسيع تكتل المطالبين بالتغيير في لقاء مزفران الأول، لكن ظروف العمل السياسي غير ملائمة، فلم يسمح لنا بتنظيم تجمعات ولا حتى بإلقاء محاضرات داخل القاعات إلا نادرا.

ثالثا: الصاعق المفجر للتغيير، استعمال الريع والنهب وسّع رقعة المصفقين كما ذكرت سابقا، واستفحل الفساد، فدخلت البلاد منذ 2014 في حالة عجز عن تمويل الدولة والاقتصاد، لذا نرى أن ظروف إحداث هذا الصاعق أصبحت مرتقبة بقوة، ولهذا فإن عملنا السياسي سيوجه إلى حماية الأمة، وذلك بتوحيد صفوف المطالبين بالتغيير وتكوين المواطنة في المجتمع وتحديد برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي لحماية الأمة.

‪أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية السابق خلال حواره مع الجزيرة نت‬ (الجزيرة)
‪أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية السابق خلال حواره مع الجزيرة نت‬ (الجزيرة)

undefined أي تغيير سياسي واجتماعي في تاريخ الثورات بدأ بصاعق المطالب الاجتماعية، أليس كذلك؟

نعم يكون في تغيير بقوى داخل المجتمع. نأخذ تجربة البرتغال في السبعينيات من القرن الماضي كانت بفضل ضباط معركة الاستقلال، في أنغولا وموزمبيق قالوا ليس ممكنا أن نترك البلاد في هذه الحالة وطالبوا بتطور اقتصادي وحريات سياسية. هذا مثال على تعبئة المواطنين للتغيير، نحن نقول إذا سرنا في هذه الحالة بالتأكيد فإن المواطنين يعبرون على غضبهم بتوحيد المطالب.

undefined ذكرتم تجربة البرتغال وعودة ضباط من حرب أنغولا وموزمبيق، هل تعولون على دور للجيش في التغيير؟

لا أبدا، لا نعّول على الجيش في التغيير، الجيش في حالة تنظيم معروفة، خاضع لقوانين تتطلب منه تصرفا واضح المعالم، وبالتالي لا ننتظر منه شيئا، ننتظر فقط من القائمين على النظام أنفسهم أن يروا البلاد تسير إلى الخطر، وننتظر من الموطنين أن يعبروا بقوة سلميا عن مطلبهم لتغيير نظام الحكم.

undefined ما رأيكم بما يقال عن الشغور الرئاسي؟

أصبحت الأمة في خطر كبير، ومن هنا فإن حماية البلاد من هذه المخاطر تستوجب تغيير نظام الحكم بكامله وليس الاكتفاء بتغيير الأشخاص، ولهذا فنحن نهتم بتغيير نظام ولا نضيع وقتنا في الكلام عن شغور منصب الرئيس.

الدولة الجزائرية  فيها كل مؤشرات الدولة "المميعة"، وبالتالي لا حاجة لنا في الكلام عن شغور المنصب ما دمنا نطلب تغيير نظام الحكم كله وليس الاكتفاء بتغيير الأشخاص مهما كان مستواهم في ترتيب السلطة.

undefined من أين تبدؤون في تغيير نظام الحكم؟

توجد عدة أفكار، مثلا في 2011 طرحت برنامجا وقلت إن الجزائر ستعرف في 2017 عجزا بالتمويل، وبالتالي علينا أن نأتي ببرنامج. وقلت إن البرنامج -ومهما كانت كفاءة القائمين على تنفيذه وأيا كانت نوعية البرنامج- يتطلب خمس سنوات على الأقل حتى تتحقق نتائجه، وأكدت أنه يجب أن يبدأ التغيير في 2011 حتى نكون في 2017 في حالة جيدة، لكن لم يُسمع لي.

في ذاك الوقت حددت كيفية تنفيذ البرنامج، بداية عقد ندوة وطنية يكون فيها شخصيات معترف لهم بالكفاءة والنزاهة في المجتمع وفيها عناصر من النظام الذين يرون أن البلاد في خطر، يختار المشاركون فريق عمل نعطيه مدة ثلاثة أشهر حتى يشكل حكومة انتقالية، ويضع خارطة طريق لعمل الحكومة الانتقالية، وحملة دعائية ليفهم المواطنون أن البلاد دخلت في حالة التغيير وبالتالي ينخرط المواطنون في التغيير.

الحكومة المُعينة تعمل خلال ثلاثة أشهر وفق خارطة الطريق، ثم تُحضر لتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة بعد 12 شهرا، وتقوم بتغيير بعض مواد الدستور بما يناسب التغيير، هذه هي الطريقة المثلى للتغيير.

لكن أنا لا أقول إن هذه هي الطريقة الوحيدة للتغيير، بل قدمت أرضية مكتوبة للتغيير نشرتها بالعربية والفرنسية، المهم أن نلتقي ونتكلم ونخرج بأفضل طريقة لهذا التغيير.

undefined معنى ذلك أنكم لا تعترفون بالدستور المعدل في 2016؟

بالتأكيد لا، فالدستور المعدل ربما كان أسوأ من الدستور الذي قبله. فطالما نطالب بتغيير نظام الحكم، لا ننظر لما قام به النظام، فقد وصلنا حالة الدولة "المميعة".

undefined ماذا تقصدون بالدولة "المميعة"؟

الدولة المميعة لها خمسة مؤشرات: الأول تأسيس الجهل والركود، كلما كان الإنسان أقل معرفة كانت له فرصة أن يكون في المستويات العليا للدولة، الثاني عبادة الأشخاص، الثالث تأسيس الفساد الذي يصبح مؤسسا في دواليب الدولة وبالتالي لا إمكانية لمكافحة الفساد من داخل النظام، رابعا عدد من الأشخاص يتخذون القرارات بدلا من المؤسسات المؤهلة، وخامسا تفتيت الأقطاب داخل السلطة.

هذه المؤشرات الخمسة متوفرة في حالة الجزائر، حينما نتكلم عن "الدولة المميعة".

undefined بلغت مداخيل الجزائر منذ 1999 ولغاية 2014 زهاء 800 مليار دولار بحسب تصريحات رسمية، ورصدت 286 مليار دولار للمخطط الخماسي 2010-2014 وهو أكبر مبلغ للاستثمارات في تاريخ الجزائر المستقلة.

كخبير اقتصادي توليتم وزارة المالية ورئاسة الحكومة، كيف ترون واقع الاستثمار في الجزائر؟

كانت الاستثمارات في تلك الفترة موجهة أساسا للأشغال العمومية، ولم تهتم بقطاع الإنتاج، فكانت النتيجة توسيع الفساد والتبعية المفرطة للخارج. قفزت فاتورة الاستيراد من 12 مليار دولار عام 2001 إلى 68 مليار دولار في 2014، بزيادة تفوق 500%، بينما سجل إنتاج المحروقات انخفاضا مستمرا منذ 2006، أضف إلى ذلك الترتيب العالمي الرديء للجزائر فيما يخص مناخ الاستثمار بالمرتبة 163 بين 189 دولة.

من هنا لا نستطيع أن نتحدث على نجاعة الاستثمار لأنه لم يكن موجها للقطاع المنتج حتى يوفر فرص عمل ويحد من التبعية للخارج.

بخصوص المبلغ المذكور 800 مليار دولار ليس لدي تأكيد للمبلغ، لكن هنا تطرح كلفة الاستثمارات، مثلا استثمار يحتاج 100 مليار دولار يصرح النظام أنها بـ150 مليار دولار، فترتفع كلفة الاستثمار بالفساد.

undefined تراجعت مداخيل الجزائر بأكثر من 60% جراء تراجع أسعار النفط منذ عام 2014، مما دعا الحكومة إلى سياسة تقشف انعكست في قانوني المالية 2016 و2017 بزيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض المواد الواسعة الاستهلاك، فانخفضت نفقات الجزائر بنسبة 50%.

هل إجراءات التقشف كافية لحماية البلاد من خطر انهيار اقتصادي في ظل اعتماد شبه كلي على المحروقات؟

هنالك كلام أكثر مما هو واقع في سياسة التقشف، مثلا نفقات الجزائر من العملة الصعبة وصلت إلى 68 مليار دولار من استيراد البضائع والخدمات، يضاف إليها ثمانية مليارات دولار لأرباح محولة من الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، وبالتالي هل يعقل انخفاض هذه النفقات من 76 مليار في 2014 إلى 30 مليار في 2016 و2017؟

مثلا نفقات ميزانية الدولة ارتفعت بـ7.8% ما بين السداسي الأول 2014 حيث كان سعر البرميل 115 دولارا، إلى السداسي الأول 2015 حيث سعر البرميل كان أقل من 40 دولارا؛ هذا يعني أنهم يتحدثون كثيرا عن التقشف ولكنه تقشف غير مجسد على الأقل فيما يخص أرقام النفقات، أما فيما يخص رفع الدعم فإن سياسة الجزائر في الأسعار تتميز بتحديد مستوى الهامش التجاري وليس بدعم الدولة للأسعار، حيث لا يوجد دعم مباشر للأسعار.

undefined السيد بن بيتور، تتحدرون من غرداية التي شهدت في الآونة الأخيرة أحداثا دامية، استدعت انتشار الجيش لضبط الوضع الأمني فيها، وتباينت الرؤى في تفسير هذه الأحداث، فهناك من أرجعها إلى صراع طائفي بين المالكيين والإباضيين، وهناك من قال إنه خلاف على ملكية أراض بين العرب والأمازيغ.

ما حقيقة ما جرى في غرداية؟

أعتقد أن العاملين موجودان منذ زمن بعيد، حيث يسكن غرداية إباضيون ومالكيون، وغرداية محصورة في وادي بني مزاب غير القابل للتوسع، بينما تضاعف عدد السكان بغرداية بأكثر من عشر مرات منذ الاستقلال، وبالتالي ولد شح الأراضي خلافات حول الملكية.

وهناك عوامل أخرى اجتماعية وثقافية وخاصة دور وسائل التواصل الاجتماعي في إشعال الفتن، أضيفي إلى ذلك أن تدخلات الدولة كانت لإطفاء النيران أكثر منها لدراسة الأوضاع وإيجاد الحلول الدائمة، ومن هنا فإن سيادة الدولة تتطلب منها مسؤولية إيجاد حلول دائمة، وقد حددت مسؤولية الدولة لحل الأزمة في ست نقاط هي:

1- إيقاف أعمال العنف، وهذا تحقق بالتواجد المكثف لقوات الأمن والجيش، بينما لم يطبق البرنامج في أبعاده الأخرى.
2- تضميد الجراح.
3- حماية الأشخاص.
4- التقدير المسبق للأحداث.
5- إعادة بناء ما خُرب.
6- تنفيذ برنامج تنموي بالمنطقة.
كما اقترحت طريقة تجسيد هذه المسؤوليات، ولكن مع الأسف لم يأخذوا بها.

المصدر : الجزيرة