هل يفسد المال السياسي مصداقية الانتخابات الجزائرية؟

صورة من انتخابات جزائرية ماضية
الجزائر شهدت آخر انتخابات تشريعية عام 2012 (الجزيرة)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

تعيش الساحة السياسية بالجزائر على وقع فضائح دخول المال للمنافسة الانتخابية لشراء الأصوات والمراكز ضمن قوائم المرشحين بشكل بات يهدد مصداقية ونزاهة الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الرابع من مايو/أيار المقبل.

ورغم أن شراء الذمم الانتخابية أو دفع المال للترشح تفجر في انتخابات 2012 فإنه تأكد هذه المرة بالدليل المادي، حيث تحدث مناوئون للقيادة الحالية لحزب جبهة التحرير الحاكم عن حادثة تلقي سليمة عثماني القيادية الموالية للأمين العام الحالي للحزب جمال ولد عباس رشوة بعشرات الآلاف من الدولارات من أحد أعضاء الحزب تعرض للمساومة من طرفها، لكنه نصب لها فخا جعلها تسقط في أيدي جهاز المخابرات.

مساس بالنزاهة
وقد داهمت الشرطة منزل نجل ولد عباس غربي العاصمة حيث حجزت وثائق وأموالا بناء على بلاغ وصلها بأن الابن يساوم أشخاصا يرغبون في الترشح، ورغم أن الأمين العام للحزب الحاكم لم ينف الحادثتين، فإنه رأى فيهما محاولة تستهدف الإطاحة به شخصيا. وبينما دافع جمال ولد عباس عن براءة ابنه أوضح أن مصير القيادية سليمة عثماني سيفصل فيه من طرف مؤسسات حزب جبهة التحرير الوطني.

‪عليلي يتوقع صرف ما يتجاوز أربعة ملايين دولار في الانتخابات التشريعية القادمة‬  عليلي يتوقع صرف ما يتجاوز أربعة ملايين دولار في الانتخابات التشريعية القادمة (الجزيرة)
‪عليلي يتوقع صرف ما يتجاوز أربعة ملايين دولار في الانتخابات التشريعية القادمة‬  عليلي يتوقع صرف ما يتجاوز أربعة ملايين دولار في الانتخابات التشريعية القادمة (الجزيرة)

ويعزو مراقبون استفحال الظاهرة لرغبة أصحاب الأموال في الحصول على الحصانة البرلمانية وحماية مصالحهم، أما عن تفجرها داخل بيت الحزب الحاكم دون غيره فلا ينفي أن الظاهرة غير موجودة في أحزاب أخرى وبدرجات أقل، ولكن يشير إلى أن حزب الجبهة أوفر حظا للفوز بأكبر عدد من المقاعد.

ويقول عبد السلام عليلي مدير المكتب الإقليمي للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة إن ثمة سوقا لشراء الأصوات بدأت ملامحها تتشكل "تقودها منافسة حادة على من يدفع أكثر ومن هو محمي أكثر".

ويضيف عليلي للجزيرة نت أن المعطيات تشير إلى أن الحملة الانتخابية القادمة سيصرف فيها من المال السياسي ما يتجاوز أربعة ملايين دولار، متوقعا أن تكون هذه المعركة "معركة تكاسر بين نخب حكومية متقاعدة ورجال أعمال بهدف التستر وإغلاق ملفات الفساد".

ويحذر عليلي من أن هذا الوضع سيؤدي إلى تمكن فئة مستعملي المال السياسي وأصحابه للسيطرة على أكثر من ثلثي البرلمان، ومن ثم امتلاك تعديل و تمرير القوانين دون معارضة، ما يترتب عليه المساس بمصداقية البرلمان المقبل.

من جانبه، يؤكد القيادي في حركة مجتمع السلم (حمس) ناصر حمدادوش أن المال الفاسد أخطر ما يهدد العمل السياسي عموما والفعل الانتخابي خصوصا بعد التزوير والعزوف الانتخابي".

ويوضح حمدادوش في حديث للجزيرة نت أن دائرة تأثير المال الفاسد في اتساع دائرته "لأن المزايدين بمحاربته هم المتورطون فيه من أحزاب الموالاة"، مشددا على أن تمدّد هذه الظاهرة يطعن في مصداقية ونزاهة الانتخابات.

خطر محدود
الوزير السابق ورئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي يؤكد للجزيرة نت أن حضور المال في العمل السياسي أمر طبيعي جدا ووارد في إطار احترام القوانين.

ساحلي: محاربة المال الفاسد في الانتخابات واجب القضاء وليس الأحزاب والصحافة 
ساحلي: محاربة المال الفاسد في الانتخابات واجب القضاء وليس الأحزاب والصحافة 

ويضيف إذا كان هناك مناضل أو كادر صاحب مال ومساره السياسي والمالي نظيف فمرحبا به، فهو إضافة للبرلمان "لاسيما أن أبرز تحديات البرلمان المقبل هو التحدي الاقتصادي فلا يمكن أن يرفع هذا التحدي في غياب أصحاب المال والأعمال".

لكن ساحلي يدعو إلى محاربة الذين يريدون الوصول إلى البرلمان بطرق غير شرعية وشراء الذمم، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تكثر في الأحزاب الكبيرة التي لها حظوظ في الحصول على عدد أكبر من مقاعد البرلمان، معتبرا في الوقت نفسه أن محاربة المال الفاسد واجب القضاء وليس من وظائف الأحزاب أو الصحافة.

ويقلل ساحلي من حجم الظاهرة، ويقول إن ضبط ثلاثة موظفين يشترون توقيعات المواطنين في بلدية واحدة أو اثنتين من بين أكثر من 1500 بلدية لا يمس بمصداقية العملية الانتخابية حتى وإن كان مرفوضا".
ورغم الحديث عن تأثير المال السياسي في الانتخابات، يبقى المتحدث متفائلا بأن تكون الانتخابات المقبلة أكثر نزاهة ومصداقية من الانتخابات التشريعية السابقة في 2012.

المصدر : الجزيرة