مؤتمر الاتجاهات الفكرية بمكة.. وجه جديد لسلفية منفتحة

جانب من المشاركين في مؤتمر الاتجاهات الفكرية برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
جانب من المشاركين في المؤتمر الدولي للاتجاهات الفكرية (الجزيرة)

 عبد الله الزبيدي-مكة المكرمة

على مدى ثلاثة أيام، استضافت رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي طيفا واسعا من علماء السنة ينتمون لتيارات فكرية عديدة غير محسوبة على الاتجاه السلفي التقليدي السائد في السعودية.

ومثلت مشاركة عدد كبير من علماء العراق واثنين من قيادات السنة في إيران دلالات دقيقة تشير إلى النهج الجديد الذي بدأ يتشكل في نهج رابطة العالم الإسلامي نحو أدوار أكبر وأكثر تأثيرا.

ويبدو البيان الختامي لـ"المؤتمر الدولي للاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة" أحد المعطيات الجديدة لتغير خطاب الرابطة، آخذا في الاعتبار التحديات السياسية والأمنية والثقافية التي تواجه العالم الإسلامي بعد شيوع التطرف والصراعات الطائفية وتنامي الكراهية ضد المسلمين في الغرب مع صعود تيارات اليمين المتطرف.

فقد حذرت التوصيات من التساهل في التصنيفات الدينية والفكرية، واعتبارها وقود فتنة بين المسلمين وفتيلا للتطرف والتناحر والتدابر، كما تضمنت حفاوة بتعدد المدارس الإسلامية في سياق عطائها العلمي والفكري المشروع، واعتباره من مظاهر سعة الشريعة الإسلامية وعالميتها ورحمتها بالعباد.

وانتقدت توصيات المؤتمر ما وصفتها بالكتابات والبيانات الصادرة من بعض المحسوبين على العلم والدعوة لتعبئة الشعور الديني، واعتبرتها من أخطر أدوات الإثارة والتهييج وطليعة المواد الأولية لصناعة التطرف المفضي إلى حلقات عنف وإرهاب، وطالبت الجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية باحترام دساتير وقوانين وثقافة البلدان التي يعيشون فيها.

‪البشاري يتحدث عن توجه جديد لرابطة العالم الإسلامي‬ (الجزيرة)
‪البشاري يتحدث عن توجه جديد لرابطة العالم الإسلامي‬ (الجزيرة)

خيار متقدم
وركز البيان في عدد من فقراته على التصدي للتطرف ومحاربة الإرهاب عن طريق المواجهة الفكرية كخيار متقدم عن المواجهة العسكرية.

تلك الملاحظات قرأها الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الأوربي الدكتور محمد البشاري جيدا أثناء مشاركته في المؤتمر، وعلق عليها بالقول "إن توجها جديدا بدأ يتشكل مع تعيين الدكتور محمد العيسى أمينا عاما للرابطة، وذلك ضمن ظروف جديدة ونظرة مستقبلية جامعة إلى توسيع مصطلح أهل السنة والجماعة بمفهومه السلفي إلى جماعة المسلمين وما يقتضيه هذا المعنى من مصالح على الأمة".

ويرى البشاري أن الرابطة من خلال هذا المؤتمر استطاعت جمع مؤسسات رسمية مع شخصيات تمثل رموزا لما يسمى "الإسلام السياسي" لمواجهة ثلاثة مشاريع، وهي مشروع الجماعات المتشددة التي تحاول فرض قراءة متطرفة للإسلام وتسببت في ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصاعد اليمين المتطرف  بأوروبا، ومشروع علماني استئصالي في العالم الإسلامي ينظر إلى الدين بوصفه تراثا يعيق الأمة في اللحاق بركب الحضارة، والمشروع الصفوي الذي دخل حيز التنفيذ واحتل خمس عواصم عربية، وما زال يبشر بمشروعه الطائفي المزعزع للأمن في الخليج ومصر وشمال أفريقيا ودول الأقليات المسلمة في أفريقيا.

وخلص البشاري إلى أن هذه التحديات فرضت على الرابطة وضع أساس للتعددية الفكرية والمذهبية والسياسية، وهو ما تضمنه حرية الرأي والتعبير بضوابطها الشرعية والإنسانية.

غير أن أستاذ أصول الفقه في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي يذهب إلى رأي مختلف، فهو يرى أن المؤسسة الدينية في السعودية كرست في هذا المؤتمر منهجها المنفتح على جميع تيارات وفرق أهل السنة والجماعة. ويضيف أن "عددا لا بأس به من الأعضاء المؤسسين للمجمع الفقهي الإسلامي هم من اتجاهات صوفية وأشعرية وماتريدية من بلدان مختلفة كمصر والمغرب وباكستان والهند".

ويقرأ السعيدي توصيات المؤتمر بوصفها خطابا فقهيا مستبصرا يتحدث عن حاجة الأمة من منظور الفقيه، وليس بيانا سياسيا حول أنظمة قد تتغير أو تزول، مشيرا إلى أن التوصيات تطرقت إلى الضغوط الدولية في اتجاه عولمة الدول الإسلامية، وهي فقرة يرى السعيدي أنها رسالة مهمة من الفقهاء إلى القيادات السياسية.

المصدر : الجزيرة