هل يحاسب حفتر جنوده المتجاوزين؟

منذ إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر عمليته العسكرية التي سماها "عملية الكرامة" منتصف مايو/أيار 2014، بحجة محاربة التطرف والإرهاب في مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، ازدادت حدة العنف والكراهية بين أبناء المدينة.

وشهدت بنغازي لأول مرة بعد ثورة فبراير قتلا على الهوية، وحرقا وهدما للمنازل التابعة لعناصر مجلس شورى ثوار بنغازي، واغتيالات لعدد من الأئمة والشيوخ، إضافة إلى التنكيل والتمثيل بالجثث وحرقها، مما أحدث ردود فعل غاضبة محلية ودولية، وتمزقا وجرحا عميقا للنسيج الاجتماعي لا يندمل بسهولة.

ووقعت آخر هذه الأحداث مطلع الأسبوع الجاري، بعد أن تم نبش عدد من القبور والتمثيل بالجثث في منطقة قنفوذة (غرب بنغازي) من قبل قوات تابعة لحفتر دخلت المنطقة عقب انسحاب مقاتلي مجلس الشورى من آخر معاقلهم بالمحور الغربي للمدينة، إضافة إلى انتشار فيديو يظهر القائد العسكري بعملية الكرامة النقيب محمود الورفلي وهو يعدم ثلاثة أشخاص مقيدي الأيدي في أحد الطرق العامة رميا بالرصاص.

وكانت أبرز جثة نكل بها هي جثة القيادي البارز بمجلس شورى ثوار بنغازي جلال مخزوم، حيث وضعت جثته على سيارة يلتف حولها عناصر أمنية تتبع قوات الصاعقة، وتجولوا بها في طرقات المدينة وسط فرح وتكبير من مؤيدي ومناصري حفتر، ولم ينته الأمر بالتجوال بها، بل قاموا بتعليق الجثة أمام معسكر قوات الصاعقة وتعريضها للسب والشتم والبصق عليها.

تبرير
وقال الناطق باسم القوات الخاصة الموالية لعملية الكرامة العقيد ميلود الزوي إنهم يلتمسون العذر لجنودهم الذين مثلوا بالجثث ونبشوا القبور، لأن قوات مجلس شورى ثوار بنغازي هي من بدأت بذلك.

وبرر الزوي في بيان له ما قام به النقيب محمود الورفلي من عمليات إعدام لعدد من الأسرى وصفهم بالخوارج، بحجة القبض عليهم داخل ميدان القتال، وأوّل أحاديث منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم تدعم موقفه.

ويرى الزوي أن الجنود قاموا بذلك "عندما شاهدوا زملاءهم يُقتلون على أيدي مقاتلي مجلس الشورى، وقُطِّعت أوصالهم وعلقوها على الأشجار والأسطح ولم تتناول وسائل الإعلام هذه الجرائم"، على حد قوله.

تحقيق ومحاسبة
ورغم تبريرات الزوي، فقد أكد رئيس لجنة النازحين والمهجرين بمجلس النواب بطبرق جاب الله الشيباني أن هذه أفعال "فردية سيجري التحقيق مع المتهمين بها ومحاسبتهم أمام القضاء، وذلك لردع من يحاول أن يكرر مثل هذه الأعمال مستقبلا".

وتعهدت القيادة العامة لعملية الكرامة بتقديم العناصر الذين ظهروا في مقاطع الفيديو، وقاموا بنبش القبور والتمثيل بجثامين قيادات تابعة لمجلس شورى ثوار بنغازي، للمحاكمة وإحالتهم إلى إدارة الشرطة والسجون العسكرية التابعة لها.

ورأت -في بيان- لها أن التمثيل بالجثث ونبش القبور لا يعبر عن توجهاتها، وإنما هي ردود فعل فردية وشخصية، محملة إياهم مسؤولية أفعالهم ومخالفتهم قوانين وأوامر القيادة العامة.

‪قيادة عملية الكرامة قالت إن التمثيل بالجثث تصرفات فردية ولا يعبر عن توجهاتها‬ (الجزيرة)
‪قيادة عملية الكرامة قالت إن التمثيل بالجثث تصرفات فردية ولا يعبر عن توجهاتها‬ (الجزيرة)

مخالف للأعراف
من جانبه، استنكر شيخ قبيلة البراغثة ببنغازي عبد السلام عبد العاطي عمليات نبش القبور والتنكيل بالجثث والإعدامات، معتبرا ذلك خروجا عن القانون ومخالفة للإسلام وعادات وأعراف الشعب الليبي.

وأكد في حديثه للجزيرة نت أن "محاسبة مرتكبي الجرائم والمتهمين يجب أن تتم عبر المحاكم ومؤسسات الدولة المتمثلة في مجلس النواب والقيادة العامة برئاسة خليفة حفتر".

ورغم دعوات المحاسبة المتكررة، ما زال الشارع الليبي يتساءل عن التجاوزات التي وقعت منذ بدء ما يعرف بـ"عملية الكرامة في بنغازي"، وتبقى الخسارة الحقيقية التي تحتاج لسنوات طويلة من أجل إعادة ترميمها والتعافي منها هي تمزق النسيج الاجتماعي في الشرق الليبي.

المصدر : الجزيرة