حصاد السودان 2017.. العقوبات رُفعت والمفاوضات متواصلة

Supporters of Sudan's President Omar Hassan Ahmad al-Bashir wearing Sudanese Jalabiya react during a National Dialogue campaign event in Khartoum February 8, 2016. The Arabic words on the clothings read: "No to American sanctions" (L) and "Sanctions violation to human rights". REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
المراقبون حذروا من الإفراط في التفاؤل بنتائج سريعة بعد رفع العقوبات (رويترز-أرشيف)

محمد طه البشير

رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن الخرطوم هو الحدث الأبرز في السودان عام 2017، في خطوة وصفت بأنها تضع اقتصاد البلاد خطوة في المسار الصحيح، في وقت يجري البلدان مباحثات لرفع اسم الخرطوم من القائمة الأميركية للإرهاب، ومن ثم يكون التطبيع الكامل.

ويضع القرار الذي أعلنته الخارجية الأميركية يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حدا للعقوبات المفروضة على السودان منذ عشرين عاما، وعللت واشنطن قرارها بتسجيل الخرطوم تحسنا في أوضاع حقوق الإنسان وتقدما في محاربة الإرهاب.

ولم يتضمن القرار الأميركي رفع السودان من قائمة الخارجية للدول "الراعية للإرهاب" المدرج عليها منذ 1993، مما يحرمه من فرص الاستفادة من برامج الإعفاء من الديون والحصول على قروض تنموية.

ويسمح القرار للبنوك الدولية بإجراء كافة التحويلات المالية مع السودان، كما يمكن للمواطنين والشركات الأميركية إجراء تحويلات مالية مع نظرائهم بالسودان، وكذلك التصدير والاستيراد، والسماح بكافة التحويلات المالية المتعلقة بالصناعات النفطية أو البتروكيميائية بالسودان والمحظورة مسبقا بما فيها خدمات الحقوق النفطية وخطوط النفط والغاز.

هذا التوجه الأميركي جاء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي أصدر أمرا قبيل مغادرته السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي برفع هذه العقوبات بعد فترة تجريبية مدتها ستة أشهر تنتهي يوم 12 يونيو/حزيران 2017.

وفي اليوم المحدد قرر الرئيس دونالد ترمب تأجيل رفع العقوبات لمدة ثلاثة أشهر تنتهي يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقابل الرئيس السوداني عمر البشير هذا بغضب شديد ورد بتجميد التفاوض مع الولايات المتحدة قبل أن يقرر في وقت لاحق استئناف لجان التفاوض.

وأعلنت الخرطوم أنها أوفت بالتزاماتها فيما عرفت بالمسارات الخمسة: استقرار الوضع بدولة جنوب السودان، وقف دعم "جيش الرب" الأوغندي، وتحسين الوضع الإنساني بمناطق النزاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وتسهيل إدخال المساعدات إليها ووقف العمليات العسكرية في أماكن القتال، ومكافحة الإرهاب، والحد من عملية الاتجار بالبشر.

في ٦ أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، وقبل الموعد المقرر بأيام اتخذ ترمب قراره برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، في مفارقة نادرة تعكس استمراره في نهج اختطه سلفه أوباما.

خبراء قالوا إن الاقتصاد لن يتحسن إلا بمراجعة شاملة لأداء الدولة (الجزيرة)
خبراء قالوا إن الاقتصاد لن يتحسن إلا بمراجعة شاملة لأداء الدولة (الجزيرة)

تفاؤل حذر
وقوبل قرار ترمب بتفاؤل حذر في الشارع السوداني أملا في تحسين الوضع المعيشي الصعب للمواطنين، وبعد ساعات قليلة من القرار ارتفع سعر الجنيه (العملة الوطنية) مقابل الدولار من 21.5 إلى 18 جنيها بالسوق الموازي، قبل أن يقفز مرة أخرى بعد أيام إلى نحو 25 جنيها، وهو ما لم يبلغه حتى قبل رفع العقوبات.

وحذر خبراء اقتصاديون سودانيون من الإفراط في التفاؤل بتحقيق نتائج سريعة ملموسة لرفع العقوبات، مؤكدين أن حال الاقتصاد لن ينصلح إلا في إطار مراجعة شاملة للأداء العام للدولة وتحسين الإنتاج.

وفود أميركية تقاطرت إلى السودان بعد قرار رفع العقوبات(الجزيرة-أرشيف)
وفود أميركية تقاطرت إلى السودان بعد قرار رفع العقوبات(الجزيرة-أرشيف)

ويرى خبراء ومحللون أن العقوبات لا تعدو أن تكون جزءا من أزمة هيكلية الاقتصاد السوداني، وأن أسباب الوضع الاقتصادي المتردي تعود إلى سياسات وتقديرات خاطئة للحكومات المتعاقبة التي ركزت على النفط وأهملت قطاعات أساسية مثل الزراعة والتجارة والصناعة والتعدين وقطاعات إنتاجية مهمة.

زيارات وفود
ونتيجة لقرار رفع العقوبات، استقبلت الخرطوم عددا من الوفود الأميركية، آخرها وفد قدم البلاد قبل أيام برئاسة فلوري ليزر الرئيس التنفيذي لمجلس الشركات الأميركية المعني بأفريقيا، في زيارة تهدف للوقوف على الإمكانيات الحقيقية للسودان إيذانا بانطلاق الاستثمار الأميركي.

وسبق أن أعلنت وزارة النفط السودانية يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني أن شركتي "أساور" للنفط والغاز السودانية (حكومية) و"بيكر هيوز" الأميركية المختصة بمجال الطاقة وقعتا مذكرة تفاهم للتعاون في تنفيذ مشروعات تتعلق بالغاز الطبيعي والغاز المصاحب لحقول البترول، إضافة للتعاون في مجال قطع الغيار المرتبطة بالعمل في حقول النفط والسوائل المستخدمة في حفر آبار النفط.

ومع التقدم الذي أحدثه رفع العقوبات في علاقات السودان والولايات المتحدة، فإن ذلك لا يعد نهاية المطاف، فما زال البلدان يجريان مفاوضات بهدف رفع الخرطوم من قائمة الإرهاب والتطبيع الكامل بين الطرفين، وجرت في هذا الإطار مباحثات بالخرطوم يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني حيث رأس الوفد الأميركي جون سوليفان نائب وزير الخارجية، ومن الجانب السوداني وزير الخارجية إبراهيم غندور، وتابعت المباحثات ملفات الحوار السابق بينهما ومناقشة القضايا العالقة بينهما.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سوليفان قوله في مؤتمر صحفي بالخرطوم إن بلاده مستعدة للنظر في إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب إذا واصل تقدمه في عملية مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان وقضايا أخرى رئيسية.

المصدر : الجزيرة