هل تحدد قمة سوتشي قواعد الحل بسوريا؟

Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif, Russian Foreign Minister Sergei Lavrov and Turkish Foreign Minister Mevlut Cavusoglu attend a press conference in Moscow, Russia, 20 December 2016. Russia, Iran and Turkey agreed to guarantee Syria peace talks and backed expanding a ceasefire in the war-torn country, Russian foreign minister said after talks with counterparts.
جانب من اجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا في موسكو (الأوروبية)

زهير حمداني 

تتزامن قمة سوتشي بين زعماء روسيا وإيران وتركيا حول الأزمة السورية مع مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية وقبل استحقاق جنيف 5 وبُعيد تحولات ميدانية مهمة على الأرض السورية، بما يشي بتحريك الملف السياسي نحو فصله الأخير.

وتعد البلدان الثلاثة الأكثر فاعلية في الملف السوري على الصعيد الميداني والسياسي، وقد ارتبطت منذ نحو عام باتفاقات ضمن مسار أستانا لـ حل الأزمة السورية والتي أفرزت الاتفاق على مناطق خفض التصعيد الخمس، بما ساهم في التهدئة الميدانية النسبية التي عرفتها البلاد.

وتملك هذه الدول المفاتيح الرئيسية للحل والحرب في سوريا بحكم وجودها الميداني على الأراضي السورية أو تأثيرها الكبير على الأطراف الرئيسية في الصراع سواء من جانب النظام (إيران وروسيا)أو تركيا (المعارضة) وهي البلدان الضامنة لعملية التسوية السورية وفق اتفاق أستانا.

وفي حديث عن أهداف المؤتمرين، أشار كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية الانتقال من مناقشة الملف العسكري والميداني -كما كان جرى في أستانا- إلى بحث الملف السياسي والحل النهائي.

وتركز أجندة المحادثات على ملفات إدلب وعفرين واتفاقيات مناطق خفض التصعيد وتنسيق الجهود العسكرية في مكافحة الإرهاب، وصولا لبحث إمكانية الانتقال للمسار السياسي. ومنح الرئيس التركي بعدا أكبر للقمة، معتبرا أنها "ستكون مهمة جدا في مستقبل المنطقة".

 الرئيس بوتين خلال استقباله نظيره الإيراني بالكرملين 
 الرئيس بوتين خلال استقباله نظيره الإيراني بالكرملين 

ترتيبات جديدة
ويقول متابعون إن القمة من الممكن أن تبلور حلا لمستقبل سوريا سياسيا رغم الاختلافات بين المشاركين فيها في بعض التفاصيل، وقد استبق بوتين القمة باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في الكرملين، في رسالة متعددة الأوجه، بعضها إلى القمة الثلاثية نفسها.

وتختلف هذه القمة عن سابقاتها في ظروفها وملابساتها، فتأتي مع انتهاء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في كل معاقله الرئيسية في سوريا -كما في العراق-، وهو ما يجعل الحديث عن حل سياسي في سوريا وبلورة خطوطه العريضة واقعيا وفق ما يقول المحلل السياسي الروسي ألكسي مالاشينكو.

ويضيف مالاشينكو أن روسيا تريد من خلال القمة إيجاد حلفاء في مؤتمر جنيف المقبل، والاتفاق حول عقد "مؤتمر للحوار الوطني السوري" في سوتشي يجمع الحكومة والمعارضة السوريتين والذي تتحفظ عليه أنقرة، في وقت تتمسك المعارضة بعملية جنيف وترفض هذا المؤتمر.

وستدفع تركيا في اتجاه قبول طرفي التفاوض لترتيبات عسكرية تتعلق بـ وحدات حماية الشعب الكردية (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري) خاصة في عفرين، وهو الآن المطلب الأساسي لها لما يشكله من تهديد للأمن القومي التركي، مقابل التخلي عن بعض الشروط والمطالب.

ويرى الباحث في المجلس الروسي للشؤون الخارجية تيمور أحمدوف أن هذا الهدف -إضافة إلى احتفاظ تركيا بدور في المفاوضات السياسية المستقبلية- أهم بالنسبة لها من رحيل الأسد عن السلطة.

ورغم أن الدول الثلاث تصرح بأن مسار أستانا أو اجتماع سوتشي لا يعتبران بديلا عن مفاوضات جنيف، فإن مخرجات هذا المؤتمر سيكون لها دور كبير في إعادة إخراج مفاوضات الحل في سوريا، خصوصا بعد التوافقات الأميركية الروسية الجديدة.

جانب من إحدى جلسات مؤتمر الرياض للمعارضة السورية
جانب من إحدى جلسات مؤتمر الرياض للمعارضة السورية

محطات أخيرة
وتؤشر المحطات المتقاربة والحراك السياسي الكبير خلال الأيام الماضية على أن الحل السياسي في سوريا بدأ يتبلور بناء على المعطيات الميدانية، أهمها هزيمة تنظيم الدولة والمواقف التي تبعته، خصوصا التفاهمات الأميركية الروسية التي أعلنت قبل أيام وأكدت على أولوية الحل السياسي.

وقبيل القمة الثلاثية في سوتشي واستقباله الأسد في الكرملين، أجرى بوتين مكالمات هاتفية مكثفة حول الملف السوري مع كل من نظيريه الأميركي دونالد ترمب والمصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز.

وهذه التحركات المكثفة مع الدول الفاعلة في الأزمة تشي بأن الكرملين يسعى لإنضاج الحل السياسي في أقرب وقت، بعد أن انتهت المعركة الرئيسية مع تنظيم الدولة، وهو ما أشار إليه بوتين خلال لقائه الأسد.

كما يأتي اجتماع الرياض المقرر من 22 إلى 24 من الشهر الجاري، واستقالات عشرة من أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات بينهم رئيسها والناطق الرسمي باسمها، ضمن سياق التجاذبات حول مجريات الحل السياسي وخطوطه العريضة التي تتبلور.

ووفقا لمتابعين، فإنه من المنتظر أن يعيد مؤتمر "الرياض 2" هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات بشكل جديد ليضم منصتي القاهرة وموسكو ومستقلين، ولتكون هذه الهيئة الطرف المفاوض الوحيد بمؤتمر جنيف المقرر يوم 28 من نفس الشهر.

ويرى الكاتب الصحفي السوري محمد العبد الله أن ذلك سيؤدي إلى شكل آخر جديد ومختلف عن سابقه للمعارضة السورية المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، بدخول منصة موسكو التي تعد بمثابة حصان طروادة روسي إلى داخل المعارضة لتتبنى الرؤية الروسية بالكامل، على حد قوله.

وتسعى روسيا إلى إعادة ترتيب بيت المعارضة السورية بمؤتمر جنيف في اتجاه قبول طروحاتها التي تصب في مصلحة الأسد باعتباره -وفق الروس- قد حقق مكاسب ميدانية مهمة إضافة إلى التغيرات في مواقف الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، بما يجعل التفاوض على الحل أقرب إلى رؤية موسكو.

ويتوقع محللون ألا يحقق مؤتمر جنيف المقبل اختراقا كبيرا في مسألة الحل السياسي، لكنه سيضع الخطوط العريضة، تحت ضغط مخرجات مؤتمر سوتشي والمسارات السياسية الأخرى كأستانا أو "مؤتمر شعوب سوريا" وكلها أوراق روسية بديلة. 

المصدر : الجزيرة