تجميد مكتب منظمة التحرير بأميركا.. خلفيات وتداعيات

واشنطن ترفض تجديد ترخيص مكتب منظمة التحرير
يعتقد على نطاق واسع أن تجميد مكتب منظمة التحرير بواشنطن يأتي ضمن الضغوط على الفلسطينيين لقبول "صفقة القرن" (الجزيرة)
أمين محمد حبلا

بقدر ما تبدو دروب "صفقة القرن" الفلسطينية الإسرائيلية وعرة ملتوية وغير سالكة، يتبدى حرص الإدارة الأميركية الحالية وبعض حلفائها في المنطقة على تعبيد السبيل أمامها ترغيبا وترهيبا، سلما وربما حربا.

ترددت أصداء هذه الصفقة المثيرة خلال الشهور الماضية في أكثر من عاصمة عربية لقاءاتٍ ومشاورات وتفاهمات وتهديدات هنا وهناك، قبل أن تعود اليوم إلى واشنطن -مبتدأ القصة ومحركة الصفقة- ضغوطا على ممثلية الفلسطينيين هناك، في خطوة تبدو إعادة رسم لمعالم الثابت والمتحول في العلاقة بين الطرفين.

سلمت الخارجية الأميركية رسالة لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، تبلغ فيها السلطة الفلسطينية أنها لا تنوي التوقيع على إذن السماح لمكتب المنظمة بمواصلة عمله في واشنطن ما لم تستأنف المفاوضات السلمية مع إسرائيل وتتوقف السلطة عن ملاحقة مسؤولين إسرائيليين لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وانضمت فلسطين مطلع أبريل/نيسان 2015 رسميا إلى المحكمة الجنائية الدولية. ووصف مسؤولون فلسطينيون تلك الخطوة بأنها لحظة تاريخية في مسار القضية الفلسطينية، وتفتح الباب أمام الملاحقة القضائية لمسؤولين إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين. كما نجحت أواخر سبتمبر/أيلول 2017 في الانضمام إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول)، وذلك خلال اجتماع الجمعية العامة للمنظمة المنعقد في العاصمة الصينية بكين.

وكانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد توقفت أواخر أبريل/نيسان 2014 دون تحقيق أي نتائج تذكر، بعد تسعة أشهر من المباحثات برعاية أميركية وأوروبية؛ بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان وقبول حدود 1967 أساساً للمفاوضات والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجونها.

مسار متعرج
ويعود افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن إلى العام 1994 حين سمحت لها الولايات المتحدة بافتتاح مكتب يتولى تمثيل الفلسطينيين، في ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية. وحينها ألغى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون قانونا ينص على أن الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على مكاتب.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2002 قرر الرئيس الأسبق جورج بوش خفض تمثيل المكتب التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة، بحجة عدم احترام منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لبعض تعهداتهما.

وذكر قانون ميزانية وزارة الدفاع الأميركية للعام المالي 2003 الذي صوت عليه الكونغرس أن منظمة التحرير تعهدت عام 1993 بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وقبول قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وحل الخلافات مع إسرائيل بالتفاوض والطرق السلمية.

ولما جاءت إدارة الرئيس باراك أوباما وبالتحديد في يوليو/تموز 2010 رفع مستوى تمثيل بعثة المنظمة ليصبح "المفوضية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية"، وهو مستوى بروتوكولي أعلى من وضعها السابق غير الرسمي.

كما سمحت إدارة أوباما للفلسطينيين برفع علمهم فوق مبنى البعثة الفلسطينية في واشنطن، وكانت "خطوة إيجابية نحو اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية المستقلة"، كما ذكرت منظمة التحرير في تلك الفترة.

وفي عهد أوباما أيضا رفض وزير خارجيته جون كيري طلبا تقدم به 32 مشرعا في الكونغرس الأميركي يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، يقضي بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن بحجة أن "السماح ببقاء المكتب مفتوحاً في واشنطن لا يقدم أي فائدة للولايات المتحدة أو عملية السلام".

وقالت الخارجية الأميركية حينها إن الإغلاق "سيلحق الضرر بالجهود الأميركية لتهدئة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين ودعم حل الدولتين وتعزيز الشراكة الأميركية الفلسطينية".

ورغم رفع مستوى تمثيل البعثة الفلسطينية فإن الأميركيين لم يعتبروا المكتب مؤسسة شريكة، ومنظمة التحرير الفلسطينية نفسها لم تُزل من قائمة الإرهاب الأميركية.

كما أن الكونغرس الأميركي تبنى في ديسمبر/كانون الأول 2015 قانونا يفرض شروطا على مكتب منظمة التحرير، حيث نص على أنه لا يمكن للمنظمة إدارة مكتبها في واشنطن إذا حثت المحكمةَ الجنائية الدولية على محاكمة المسؤولين الإسرائيليين بشأن جرائمهم ضد الفلسطينيين.

تداعيات وخلفيات
وبينما لم تخفِ أوساط الحكومة الإسرائيلية غبطتها بالقرار قائلة إنه يتسق مع سياستها وتحالفها مع الإدارة الأميركية، هددت منظمة التحرير بتعليق الاتصالات مع الولايات المتحدة إذا لم تجدد ترخيص مكتبها في واشنطن، ووصفت عدم التجديد بأنه خطوة عدوانية.

وقال الأمين العام للمنظمة صائب عريقات "سنعلق كل اتصالاتنا مع الإدارة الأميركية"، وهو الاتجاه ذاته الذي سارت فيه عدد من المواقف الفلسطينية.

وبينما بررت الإدارة الأميركية قرارها بمحاولة منع السلطة الفلسطينية من ملاحقة ومحاكمة السياسيين الإسرائيليين، يرى أستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت نشأت الأقطش أن هذا هو الجانب المعلن في خلفيات القرار. أما الجانب الآخر فهو المتعلق بالضغط على الفلسطينيين لقبول ترتيبات ما يسمى صفقة القرن بالتنسيق مع السعودية.

ويعتقد أن قرار تجميد المكتب ليس أميركيا صرفا، بل تبدو بصمات السعودية واضحة فيه، فقبل أيام استدعت الرئيس محمود عباس وخيّرته بين قبول الصفقة أو طي حقائبه والاستعداد للتنحي عن منصبه.

وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية ذكرت أن الولايات المتحدة تعمل على وضع خطة نهائية تقضي بإحلال سلام دائم بين الفلسطينيين وإسرائيل، في أعقاب التحول الذي طرأ في العلاقات العربية الإسرائيلية بقيادة السعودية.

وأضافت الصحيفة أن واشنطن "مفعمة بالأمل" بنجاح الخطة التي يُعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي الذي مكث أربعة أيام الشهر الماضي في السعودية قبل أن يتوجه إليها الرئيس عباس.

وتابعت الصحيفة أنه رغم الشكوك التي تثار بشأن فرص نجاحها، فإن المحللين يرون أن الرئيس دونالد ترمب اختار لطرح خطته وقتا مناسبا للغاية، حيث تتقاطع فيه المصالح الإسرائيلية والعربية بشكل يسمح بإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

 

ابتزاز وتصعيد
والواقع أنه منذ قدوم الرئيس الأميركي الحالي تتالت بشكل متسارع خطوات تصعيدية ضد الفلسطينيين، قرأ فيها البعض ابتزازا، ورأى فيها آخرون حربا صامتة على الفلسطينيين، ولكنها في المجمل كانت منحازة بشكل جلي إلى الطرف الإسرائيلي. ومن هذه الخطوات إعلان ترمب التخلي عن خيار حل الدولتين، وتعهده قبل ذلك بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم تجميد حزمة مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة 221 مليون دولار، أقرها الرئيس السابق باراك أوباما أواخر فترته الرئاسية.

وعلى مستوى الطواقم البشرية، عين 11 يهوديا في مناصب قيادية بإدارته، كما عين ديفد فريدمان سفيرا أميركياً لدى إسرائيل، وهو معروف بحماسته الشديدة للاستيطان ودفاعه المستميت عن ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، وغيرها من المواقف التي تصب كلها في خانة "الولاء" التام لإسرائيل.

ومن المؤكد أن قرار تجميد مكتب منظمة التحرير لم يكن الأول ولن يكون الأخير في مسار الضغط المتواصل على الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات تبدو غير منطقية وغير ممكنة حتى بالنسبة لأكثر المندفعين نحو تعزيز ما يعرف بمسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات