قطع الإعلانات.. تقاومه صحفية جزائرية بالأمعاء الخاوية

بعض-المتضامنين-مع-الاضراب-عن-االطعام
حدة حزام (يمين) وسط المتضامنين معها في إضرابها عن الطعام ضد منع الإعلانات عن جريدتها (الجزيرة)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

بمعطفها البني وقبعة تقيها برد الصباح الماطر، تتحرك حدة حزام بين مكاتب مقر صحيفة الفجر التي أسستها قبل 17 عاما، يحيط بها بعض الأصدقاء الذين لا يكاد مكتبها يخلو منهم، تضامنا معها ضد منع الإعلانات الحكومية عن صحيفتها.

عندما زارتها الجزيرة نت بمكتبها الموجود بدار الصحافة بقلب العاصمة الجزائر كان إضرابها عن الطعام قد دخل يومه الثاني، تتحدث إلى هذا وذاك، وتتلقى الاتصالات الهاتفية من الأصدقاء والمعارف من المتضامنين مع قضيتها، ومن بينهم مكتب "مراسلون بلا حدود" في تونس.

وقضت مديرة الفجر الأشهر الثلاثة الماضية في إجراء الاتصالات وبعث الرسائل والخطابات إلى كبار المسؤولين بدءا من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى رئيس الوزراء أحمد أويحيى بحثا عن حل لوقف الإعلانات الحكومية عن صحيفتها مما يهدد بتوقفها عن الصدور "بل إن شخصيات سامية في الدولة توسطت من أجل إيجاد حل ورفع العقوبات المفروضة علي لكن دون جدوى".

حزام قالت إنها مصرة على الإضراب عن الطعام برغم إصابتها بداء السكري وضغط الدم
حزام قالت إنها مصرة على الإضراب عن الطعام برغم إصابتها بداء السكري وضغط الدم

وتضيف حزام للجزيرة نت أنها مصرة على المضي قدما في معركة الأمعاء الخاوية "رغم معاناتي من السكري ومن ارتفاع ضغط الدم، لن أتراجع ولن أسكت عن حقي".

سلاح الإعلانات
وتؤكد حزام أن قطع الإعلانات عن صحيفتها بدأ منذ أغسطس/آب الماضي بعدما شاركت في برنامج تلفزيوني على قناة فرانس 24 "وتساءلت فيه عمن يملك القرار السياسي في الجزائر".

وتشير إلى عدم وجود قرار علني أو مكتوب أو جهة معلومة صدر عنها قرار قطع الإعلانات الحكومية عن صحيفة الفجر "فوزير الاتصال جمال كعوان اعتذر لي وقال إنه لا علاقة له بالأمر" واستبعدت أن يكون بوتفليقة من يقف خلف القرار.

وكان وزير الاتصال جمال كعوان قد أعلن الشهر الماضي أن أكثر من ستين صحيفة قد اختفت في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب تراجع سوق الإعلانات والأزمة المالية.

وتحتكر الوكالة الوطنية للنشر والإشهار (هيئة حكومية) كل الإعلانات الحكومية المقدرة بحوالي خمسين صفحة إعلان يوميا، وتقوم بتوزيعها على أكثر من 115 صحيفة، لكن دون مقاييس أو محددات معروفة.

بوخدشة يرى أن الحل يكمن في تحرير سوق الإعلانات ودعم الإعلام بعيدا عن منطق الولاءات
بوخدشة يرى أن الحل يكمن في تحرير سوق الإعلانات ودعم الإعلام بعيدا عن منطق الولاءات

أما إعلانات القطاع الخاص فلا تشكل حجما كبيرا في السوق الجزائرية، كما أن المعلنين الخواص يتعاملون بشكل أكبر مع الصحف الموصوفة بالكبيرة.

خنق مبرمج
ووفق حزام فإن صحيفة الفجر سبق وتعرضت لعقوبة مماثلة بسبب موقفها المعارض لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية ثانية سنة 2004، وحرمت مدة 18 شهرا من الإعلانات الحكومية "لكن يومها كان القطاع الخاص أكثر وفرة وتحررا من الضغوطات".

وبين مكتب مديرة الصحيفة وساحة دار الصحافة التي تضم عددا كبيرا من مقار الصحف الجزائرية، يتحرك الكاتب الصحفي منتصر أوبترون الذي يقف متضمنا منذ اللحظة الأولى لإعلان حزام إضرابها عن الطعام، ويقول للجزيرة نت "إن السلطة اليوم لا تقتل ولا تصفي جسديا لكنها تفعل ذلك بالخنق والتصرف كما تريد في المال العام".

ويتساءل أوبترون "كيف لصحف القطاع العام وهي ضعيفة السحب والمبيعات أن تستفيد من حجم إعلانات لا تحصل عليه صحف توزع مليوني نسخة؟".

عمار: السلطة تريد توجيه رسالة لملاك الصحف مضمونها
عمار: السلطة تريد توجيه رسالة لملاك الصحف مضمونها "الموالاة أو الاندثار"

وينتقد ممثل "المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحفي" رياض بوخدشة الأوضاع الحالية التي تمر بها الصحافة، ويحمل السلطات المسؤولية "لأنها سمحت بظهور ناشرين ليسوا أهلا للمهنة".

كما يرى أن كل الصحف الجزائرية تأثرت -ولو بدرجات متفاوتة- من الأزمة الراهنة حيث إن إغلاق الصحف أبوابها "لم يكن إراديا أو بسبب حرية التعبير وإنما بسبب الإفلاس". وتوقع أن تختفي أكثر من ثلاثين صحيفة في غضون السنتين القادمتين.

وباعتقاده فإن الحل يكمن في تحرير سوق الإعلانات، ودعم الإعلام بعيدا عن منطق الولاءات الضيقة "حفاظا على صورة البلد في الخارج وعلى مناصب العمل".

وتصدر بالجزائر حاليا 115 صحيفة، خمسون منها تصدر بوتيرة منتظمة، أما البقية فإما تطبع وتوزع "كلما توفرت لديها إعلانات، فيما تقف حوالي عشر صحف على أبواب إفلاس حقيقي".

ويؤكد أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر عبد الرحمن عمار أن السلطة تريد توجيه رسالة لملاك الصحف تحت عنوان كبير "الموالاة أو الاندثار" غير أنه يعتقد أن الناشرين يتحملون أيضا مسؤولية ركود الصحافة وتراجعها بشكل كبير لصالح الصحافة الإلكترونية التي أصبحت تحظى بمتابعة جماهيرية أوسع.

المصدر : الجزيرة