عراق ما بعد كركوك.. حلم الأكراد يتحول لكابوس

محمد النجار
لعل عدد الأسئلة التي تطرحها السيطرة السريعة للقوات العراقية وقوات الحشد الشعبي على مدينة كركوك، ومعظم المناطق التي سيطرت عليها البشمركة الكردية عام 2014، أكثر من عدد الإجابات، لاسيما أن حلم الأكراد بإقامة دولتهم المستقلة تحول إلى ما يشبه الكابوس الذي لا يعرف أحد إلى ماذا سيؤول.
وشكّل الانهيار السريع لقوات البشمركة في كركوك أمام تقدم القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي مفاجأة ميدانية غير متوقعة، حيث تمكنت هذه القوات من السيطرة على كامل محافظة كركوك في غضون ساعات قليلة، لتنتقل بعدها للسيطرة على المناطق المتنازع عليها في محافظتي نينوى (مركزها الموصل) وديالى.
وبعد 24 ساعة فقط من السيطرة على كركوك، تكرر انسحاب البشمركة في سنجار وخانقين، بينما تتجه القوات العراقية لاستعادة كافة المناطق التي سيطر عليها الأكراد عقب انهيار الجيش العراقي في الموصل عام 2014.
 
ويبدو أن مشهد انهيار قوات البشمركة السريع أمام القوات العراقية يعكس الواقع السياسي والميداني الذي آل إليه أكراد العراق، الذين ارتفعت سقوف توقعاتهم حد المطالبة بدولة مستقلة، لينهار ذلك كله بسرعة جعلت المراقبين يتحدثون أن مرحلة ما قبل كركوك تختلف جذريا عن مرحلة ما بعدها.
 
احتفالات وبكاء

وبدت مشاهد الاحتفالات التي عمت كركوك وساحاتها بسيطرة القوات العراقية عليها، مغايرة تماما لمشاهد بدت قاسية بثتها قناتا "كردستان 24″ و"روداو" الكرديتان وظهر فيها قادة عسكريون من البشمركة وجنود وهم في حالة من البكاء وانهيار المعنويات وإطلاق الاتهامات بكل اتجاه.

كما كان لمشهد فرار آلاف العائلات الكردية من كركوك ثم من المناطق المتنازع عليها ما بدا أنها فرصة للأطراف التي طالما اتهمت إقليم كردستان بتغيير الطبيعة الديمغرافية لهذه المناطق بهدف إحداث التغيير الذي يعكس الوقائع الجديدة على الأرض.

 

ويتساءل مراقبون عن دور قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كل ما جرى، إذ تتضارب الأنباء حتى اليوم حول وجوده في إقليم كردستان قبل أيام قليلة لمحاولة إقناع قيادات الإقليم بالتراجع عن نتائج الاستفتاء على الاستقلال. 
 
فقد اتهم بيان قيادة البشمركة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بأنه شارك في معركة السيطرة على كركوك، لكنه لم يشر إلى دور سليماني الذي ذكرت وسائل إعلام كردية أنه أشرف بنفسه على تقدم القوات العراقية بعدما اتفق مع قيادات في البشمركة التابعة للاتحاد الوطني بالانسحاب لصالح تقدم قوات حكومة بغداد.
 

خسائر الأكراد

خسائر الأكراد لم تقتصر على الوقائع الميدانية الجديدة، بل تعدتها لتنال من موقفهم الذي ظهر موحدا قبل أسابيع قليلة أثناء الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، ليعودوا إلى مشهد التشظي الذي لازمهم تاريخيا، بعدما اتهمت قيادة البشمركة التابعة لقيادة إقليم كردستان برئاسة مسعود البارزاني مسؤولين في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالخيانة، وأنهم كانوا جزءا من "مؤامرة ضد شعب كردستان".
 
وبينما رفضت قيادات في حزب الاتحاد هذه الاتهامات، وصل مشهد الانقسام حدّ تحميل أحزاب كردية رئيس الإقليم مسؤولية ما آلت إليه الأمور، وحدّ الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ تحل محل الحكومة الحالية، ليتحول البارزاني من لقب القائد التاريخي الذي يبني دولة الحلم الكردي، إلى لقب القائد الذي أعاد كردستان إلى مشهد التشظي والانقسام.
 
ويختصر موقف القيادي الكردي البارز ورئيس حزب التحالف من أجل الديمقراطية برهم صالح هذه المواقف، حيث انتقد قيادة الإقليم واعتبر ما جرى في كركوك أنه "نتيجة للمجازفات السياسية والخطوات اللاواقعية التي لم تأخذ في حسبانها مصالح الشعب، ونتاج لمحاولات الفاسدين تغطية النهب والسلب باسم كركوك والقومية الكردية".
 

تحالفات تتشكل

كما أن خسائر كردستان تعدت الوقائع الميدانية وانهيار علاقتها مع حكومة بغداد، لتصل إلى خسارة علاقاتها التي كانت متميزة بكل من إيران وتركيا. فالدولتان اللتان سبق أن هاجمتا الاستفتاء، رحبتا بسيطرة القوات العراقية على كركوك وما تلاها. كما أنهما تتجهان إلى تغيير خارطة حدود الإقليم، وذلك بنقل السيادة على المعابر معه إلى الحكومة العراقية.
 
سلسلة الخسائر وصلت إلى المواقف الدولية التي بدت "ناعمة" ردا على سيطرة القوات العراقية على مناطق النفوذ الكردي، وبدا أن رهان الأكراد على التحالف الدولي -وخاصة الولايات المتحدة– لمنع أي تغيير في الوقائع على الأرض قد فشل أيضا، حيث اكتفى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتعبير عن خيبة أمله لما جرى، وتأكيده أن واشنطن لن تنحاز إلى أي من الطرفين الحليفين لها.
 
وبينما تتضح الصورة الميدانية لخارطة السيطرة الجديدة في العراق وسط تحقيق الحكومة الاتحادية لمكاسبها يوما بعد يوم وخسارة الأكراد مكاسب حققوها منذ عام 2003، ينتظر الجميع الارتدادات السياسية لمرحلة ما بعد كركوك، وانعكساتها على إقليم كردستان خاصة، والعراق وعلاقاته الداخلية والإقليمية عامة. كما تتشكل خارطة تحالفات جديدة في المنطقة تجمع لأول مرة عواصم النفوذ في بغداد وأنقرة وطهران وربما دمشق من أجل مقاربة جديدة لم تكن متوقعة حتى أسابيع قليلة مضت.
المصدر : الجزيرة