سقوط الرقة.. النزع الأخير لتنظيم الدولة

midan - isis syria
مقاتل من تنظيم الدولة أمام أحد مقرات التنظيم في الرقة (رويترز)

زهير حمداني

فقد تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأشهر الماضية معظم مناطق نفوذه في العراق وسوريا، والحواضر الرئيسية التي سيطر عليها منذ عام 2014، لتسقط في النهاية عاصمة "دولة الخلافة" بيد قوات سوريا الديمقراطية المسنودة أميركيا، في لحظة تشير إلى نهاية فعلية للتنظيم ككيان جيوسياسي في المنطقة.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري-  سيطرتها بالكامل على مدينة الرقة إثر اتفاق بينها وبين تنظيم الدولة قضى بانسحاب مقاتلي التنظيم باتجاه ريف دير الزور الشمالي.

وتأتي خسارة تنظيم الدولة للرقة -بالحرب أو اتفاق الإجلاء- في سياق هزائم كبيرة تلقاها في الفترة الأخيرة؛ أهمها اندحاره من الموصل التي تعد أهم الحواضر التي سيطر عليها ضمن شمال العراق كله، كما سيطر النظام السوري على مدينة الميادين، وقبل ذلك على أجزاء من مدينة دير الزور، وعلى معظم ريفها الغربي وريف حمص الشرقي والقلمون .

‪تنظيم الدولة أعلن الرقة عاصمة لـ
‪تنظيم الدولة أعلن الرقة عاصمة لـ"دولة الخلافة" في يونيو/حزيران 2014‬ (ناشطون)

حتمية الانهيار
وعمليا، لم تبق لتنظيم الدولة مواقع سيطرة مهمة في سوريا، عدا مفارز في بعض أحياء دير الزور المدينة والقريتين في ريف حمص الشرقي والبوكمال على الحدود السورية العراقية، ومواقع بسيطة في الحجر الأسود بـريف دمشق وأخرى في ريف درعا يسيطر عليها جيش خالد بن الوليد الذي بايع التنظيم.

أما في العراق، فقد أُخرج التنظيم من الموصل وتلعفر والحويجة والقرى التي كان سيطر عليها غربي الموصل، ويقتصر نفوذه على مواقع على الحدود السورية العراقية في راوة والقائم، وبدأت القوات العراقية عملية عسكرية لاستعادتهما.

وكان سقوط الرقة مسألة وقت، في سياق الانهيارات المتتالية للتنظيم الذي بات منذ العام الماضي يعتمد إستراتيجية دفاعية بحتة، بعد أن أجبر على إنهاء سياسة التمدد التي اعتمدها شعارا لدولته، ليصل إلى مرحة الانكماش والانكفاء، ثم الصراع من أجل البقاء.

وكان هذا الانكفاء نتيجة حتمية، بعد أن فقد التنظيم القدرة على وصل مواقع سيطرته ومرونة الحركة والإمداد والدعم اللوجستي ونضوب الموارد المالية لديه، كالنفط ومنتجات الأراضي الزراعية والآثار، بعد أن خسر منابعها أو طرق تهريبها.

وأشارت معظم التحليلات إلى أن تنظيم الدولة فقد أسباب بقائه على الصعيد العسكري والإيديولوجي، وسقطت مناوراته على الأبعاد الطائفية والتحريضية، وقدرته على التعبئة والجذب بالنسبة لمريديه بالمال أو الإيديولوجيا.

وفقد التنظيم نحو ثمانين ألف مقاتل منذ تأسيسه 2014، في ضربات للتحالف الدولي -وفق  تقرير وكالة الصحافة الفرنسية-، كما قُتل آلاف آخرون في غارات الطيران الروسي وهجمات القوات السورية.

وكان مركز رصد النزاعات (IHS Markit) أكد في تقرير له في مارس/آذار الماضي أن تنظيم الدولة آيل للسقوط في عام 2017، ليبقى يناور ضمن المساحات الجغرافية والأمنية والزمنية المتاحة له بين العراق وسوريا.

قوات سوريا الديمقراطية أعلنت سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة بعد معارك واتفاق إجلاء مع تنظيم الدولة (رويترز)
قوات سوريا الديمقراطية أعلنت سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة بعد معارك واتفاق إجلاء مع تنظيم الدولة (رويترز)

المعركة الأخيرة
وسيطر تنظيم الدولة على مدينة الرقة في يناير/كانون الثاني 2014، بعد معارك مع المعارضة السورية المسلحة التي أخرجت قوات النظام من المدينة في مارس/آذار 2013، وأعلنها عاصمة لدولة الخلافة المزعومة في يونيو/حزيران، ولاحقا في أغسطس/آب 2014، سيطر التنظيم على كامل المحافظة.

وجاء اختيار تنظيم الدولة للرقة عاصمة له لأسباب تكتيكية وأخرى رمزية؛ فهي تتمتع بموقع إستراتيجي في وادي الفرات في مفترق طرق مهم بين حلب ودير الزور والحسكة وحمص وحماة، وعلى الحدود التركية، كما تحتل مكانة مهمة في التاريخ العربي والإسلامي، بوصفها كانت  في حقبة ما عاصمة للعباسيين.

وتؤكد هذه الأسباب فداحة خسارة التنظيم لعاصمته، والتي تؤشر ضمنيا على انتهاء حقبة تنظيم الدولة في سوريا وفي بلاد الرافدين؛ فسقوط العواصم يشي في النهاية بسقوط الأنظمة الحاكمة لها حتى وإن كانت مجرد تنظيم مسلح.

لكن التوقعات السائدة بأن تكون الرقة آخر المعارك ضد التنظيم لم تصدق، فالمعقل الأخير المهم للتنظيم يبقى في محافظة دير الزور، حيث يسيطر على أجزاء من المدينة وريفها الشرقي ومدينة البوكمال الحدودية مع العراق بالريف الشرقي، بالإضافة إلى بؤر أخرى.

ويحتشد مقاتلو التنظيم في هذه المحافظة بعد أن وفدوا إليها بالإجلاء من الرقة أو قبل ذلك من القلمون الغربي (البوكمال) بموجب اتفاق مع حزب الله اللبناني في أغسطس/آب الماضي، بالإضافة إلى تمركزهم الطبيعي في المنطقة الإستراتيجية على الحدود العراقية.

وحقق النظام السوري بمساعدة روسية تقدما كبيرا في محافظة دير الزور، بفك الحصار عن المدينة والتقدم شرق الفرات، لكن روسيا تتهم قوات التحالف بالتنسيق مع تنظيم الدولة بعد الهجوم المعاكس للتنظيم على السخنة وإعادة سيطرته على القريتين بريف حمص الشرقي، كما ترى في عملية ترحيل مقاتلي التنظيم من الرقة إلى دير الزور توظيفا له ضدها.

وفي ظل الاختلافات المرحلية والمزمنة بين أطراف الأزمة في سوريا، فإن الجميع -بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة– يدرك أن تنظيم الدولة في النزع الأخير، ومن هنا يأتي التسابق لملء الفراغ الجغرافي الذي يتركه، والتسابق على الأرض كمفتاح للنفوذ وللحل السياسي المفترض في سوريا. 

المصدر : الجزيرة