أفارقة تائهون في تونس

جانب من الأفارقة المحتجين على رفض إعادة توطينهم بالخارج/المركب الشبابي بالمرسى
جانب من الأفارقة المحتجين على رفض إعادة توطينهم بالخارج (الجزيرة نت)

خميس بن بريك-تونس

يستيقظ السوداني إبراهيم إسحاق كل يوم على أمل قبول ملفه لإعادة توطينه بإحدى دول أوروبا بعدما عاش أحلك أيامه طيلة سبع سنوات في مخيم الشوشة للاجئين سابقا، جنوب شرقي تونس مع حدود ليبيا، الذي أخلي بقرار من الحكومة التونسية منذ يونيو/حزيران الماضي.

منذ أربعة شهور يقبع إبراهيم القادم من دارفور مع 34 أفريقيا من جنسيات مختلفة بمركب شبابي بجهة المرسى، إحدى ضواحي العاصمة تونس، بعدما نقلوا قسرا من المخيم الذي أقيم لإيواء آلاف النازحين هربا من الحرب الأهلية الطاحنة في ليبيا عام 2011.

وعلى غرار موقف رفاقه يرفض إبراهيم أن تطلق عليهم صفة "مهاجر غير نظامي" متمسكين بحق الحصول على صفة "لاجئين" من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس، سعيا للتمتع بالحماية الدولية، لكن ثلاثة فقط قبلت طلباتهم دون إعادة توطينهم.

يشكل إبراهيم (48 سنة) -المنتمي لإحدى أكبر قبائل دارفور وتدعى السلامات- أبرز الأمثلة توضيحا لهذا المأزق الإنساني الذي يعيشه هؤلاء الأفارقة المضربون عن الطعام منذ أكثر من شهر نتيجة رفض طلبهم بإعادة توطينهم ودعوتهم للقبول فقط بحل الاندماج بتونس.

إبراهيم إسحاق يطالب بإعادة توطينه بإحدى دول أوروبا أو أميركا
إبراهيم إسحاق يطالب بإعادة توطينه بإحدى دول أوروبا أو أميركا

يبدو الإنهاك باديا على جسده النحيف الذي خف وزنه نتيجة التعب من التفكير بمصيره العالق، يتحدث إبراهيم بلكنة عربية بدوية لا تتقنها سوى قبيلته البعيدة، قائلا "نعيش هنا بسجن ولم تعد لدينا رغبة بأي شيء، فكل ما نتمناه هو إعادة توطيننا في أحد البلدان الغربية".

وقف الإضراب
قبل أيام قليلة أجبر إبراهيم على وقف إضرابه عن الطعام بعدما اعتلت صحته ونقل للمستشفى الحكومي بجهة المرسى، لكن بعض رفاق دربه الغاضبين واصلوا معركة الأمعاء الخاوية مدمنين على تدخين سجائر مهربة رخيصة الثمن ملأت أعقابها الساحة.

بصوت مبحوح يقول إبراهيم إنه يبحث مع رفاقه بكل بساطة عن حياة الحرية والفرص والكرامة والحصول فقط على مكان بأوروبا أو أميركا، يصبح بمثابة وطن لهم يحضنهم بعيدا عن الأزمة التي تعيشها تونس، حيث يضطر جزء من شبابها لركوب البحر بسبب البطالة.

أعرب رفاق إبراهيم عن شعور بالخيبة، في حين يغوص هو بأعماق ذاكرته مسترجعا رحلة عذاب دفعتهم لمغادرة ليبيا مع آلاف النازحين هربا من المعارك الطاحنة إبان الثورة متجهين نحو مخيم الشوشة جنوبي تونس سنة 2011.

آنذاك كان قد مضى عشر سنوات على قدوم إبراهيم إلى ليبيا هربا من معارك جنوب السودان تاركا خلفه عائلة فقيرة تسترزق من الزراعة والمواشي، هناك تمكن من الاستقرار في طرابلس والعمل كمربي خيول وإرسال جزء من راتبه لأهله قبل اندلاع الثورة.

ومثل هذه الحالات تثير تعاطف مفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس، لكنها لا تمتلك أي سلطة قرار لإعادة التوطين الذي يبقى سياديا للدول الغربية التي تحدد سنويا نصيبها من قبول اللاجئين لديها، وفق عياض بوسالمي المسؤول بقسم الحماية بمكتب المفوضية.

المركب الشبابي بالمرسى يأوي عشرات الأفارقة منذ أربعة أشهر
المركب الشبابي بالمرسى يأوي عشرات الأفارقة منذ أربعة أشهر

ويوضح لـ الجزيرة نت بأن المفوضية منحت صفة اللاجئ لثلاثة أفارقة يقبعون بالمركب الشبابي بجهة المرسى، لكن طلبات إعادة توطينهم تم رفضها لأنهم لا يعيشون ظروفا قاهرة أو حالات استضعاف قصوى تمنعهم من الاندماج في البلد المضيف أو إعادتهم لبلدانهم.

الاضطهاد العرقي
وبالاعتماد على تلك المعايير تسند المفوضية السامية لشؤون اللاجئين صفة "لاجئ" للذين يجبرون على ترك بلدانهم بسبب الحروب أو الاضطهاد الديني أو العرقي، وذلك بموجب القانون الدولي المكرس في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها الملحق لعام 1967.

ويقول بو سالمي إن البعض يعتقد أن إعادة توطين أي لاجئ تتم بصفة آلية، وهذا غير صحيح، كاشفا بأن 1% فقط يُعاد توطينهم من جملة اللاجئين في العالم والأشخاص الذين يحتاجون للحماية الدولية، ومعدلهم سنويا يصل إلى 65 مليون لاجئ.

وحول مصير الأفارقة المذكورين، يقول إنه بالنسبة للاجئين الثلاثة تم تقديم حل الاندماج إليهم بتونس وتم نُصحهم ومساعدتهم ماديا وصحيا من قبل المفوضية إلا أنهم رفضوا، مفيدا أن البقية تم نصحهم رغم أنهم مهاجرون غير نظاميين يخضعون لولاية منظمة الهجرة.

لكن هذا الحال يقض مضاجع بعض المنظمات مثل الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ويقول رئيسها جمال مسلم للجزيرة نت إن منظمته "تتابع بقلق" وضعية هؤلاء الأفارقة منذ قرار غلق مخيم الشوشة في يونيو/حزيران 2013، وإزالته من قبل الحكومة قبل أربعة أشهر.

ويرى أن هناك تقصيرا من قبل جميع المعنيين بهذه المسألة ولاسيما الحكومة التونسية لإيجاد حلول يقبل بها الجميع وترضي هؤلاء الأفارقة الذين يرفضون البقاء في تونس في ظل غياب قانون يحمي اللاجئين الذي بدأ الاشتغال عليه لكن مناقشته بالبرلمان تأخرت.

في الأثناء، يزداد مصير إبراهيم ورفاقه غموضا قاتما مثلهم مثل المركب الشبابي بجهة المرسى المحاذي لـ البحر المتوسط، والذي تعطلت أبرز نشاطاته الثقافية والترفيهية منذ إيوائهم.

المصدر : الجزيرة