نهر ناف.. سردية الرزق والنزوح والرصاص

القوارب الخشبية نقلت الروهينغا من ضفة الموت في ميانمار إلى يم الضياع في بنغلاديش
القوارب الخشبية نقلت الروهينغا من ضفة الموت في ميانمار إلى يمّ الضياع في بنغلاديش (الجزيرة)

سيد أحمد الخضر-كوكس بازار

عند سفوح المرتفعات بإقليم أراكان شمالي ميانمار، ينبع نهر "ناف" ليمضي وئيدا في رحلة سرمدية بمحاذاة القرى والبلدات، قبل أن يتجه غربا إلى بنغلاديش حيث يفرغ حمولته في خليج البنغال.

ومن أراكان شرقي النهر إلى مدينة تكناف غربيه، تشتبك السياسة بالتاريخ والعرق والدين، ويسرد الزمن يوميا حكايات الرزق والخطر والخصام.

تمخُر الفلْك وقوارب الصيد مياه النهر، وتصطفّ حول الضفتين حقول القرويين ومزارعهم، بينما تتكرر حوادث الغرق والاشتباكات وموجات النزوح. ويشكل النهر الجزء الأهم من حدود البلدين، ويتراوح عمقه من 39 إلى 120م، بينما يتسع عرضه إلى أزيد من ثلاثة كيلومترات، ويتقلص إلى 1.3 كلم في بعض المواقع.

في عام 1966 وقعت ميانمار وبنغلاديش (باكستان الشرقية حينها) معاهدة تنظم آليات ومجالات استغلال مياه النهر، ونصت على أنه لا يجوز لأي منهما بناء السدود على الضفة الموالية له. لكن هذه المعاهدة لم تنزع فتيل التوتر، فقد ظل الاستنفار الأمني سيد الموقف على الضفتين، حيث يضع الجنود أيديهم على الزناد في انتظار الأوامر بإطلاق الرصاص.

نهر
نهر "ناف" سبيل المستضعفين الروهينغا للفرار من القمع والقتل في ميانمار (الجزيرة)

وليست السدود والحفريات وقوارب الصيد هي العوامل الرئيسية في تسخين مياه النهر، إنما لكون أقلية الروهينغا المسلمة تقطن في الضفة الموالية لميانمار وتتعرض لقمع يجبرها على النزوح إلى بنغلاديش الزاهدة في استقبالها.

وخلال الـ25 عاما الأخيرة كان هذا النهر مسرحا لاشتباكات وحوادث وموجات نزوح أزهقت العديد من الأرواح، وتجاوزت بنغلاديش وميانمار لتصبح أزمة إنسانية تشغل العالم بأسره.

الحرب فالدبلوماسية
ففي عام 1992 قتل جيش ميانمار أكثر من 20 صيادا من الروهينغا، وفي عام 1995 احتجز آخرين من ذات الأقلية واقتادهم إلى معسكر حيث قضى بعضهم تحت التعذيب. وعندما حاولت ميانمار بناء سد على النهر مطلع عام 2000، وقفت بنغلاديش بحزم ضد المشروع، وانجرف الجانبان إلى حرب سرعان ما قررا وقفها والاحتكام إلى الدبلوماسية والقانون.

وفي 2 يناير/كانون الثاني 2005 أفرغ جيش ميانمار ذخيرته في قوارب تقل قرويين فقتل سبعين شخصا، ليتذرع لاحقا بأنه اشتبه في تورطهم في تهريب الأرز. وفي منتصف 2012 أوغلت ميانمار في قمع الروهينغا، فعبر الآلاف منهم نهر "ناف" إلى بنغلاديش التي حرصت على إجبار الكثيرين منهم على العودة من حيث أتوا.

وطيلة الأعوام اللاحقة ظل نهر "ناف" ساحة توتر واشتباكات ونزوح، وتتالت في عرضه حوادث إطلاق النار والغرق، ودأب كل جانب على تحميل المسؤولية للآخر.

‪‬ بنغلاديش استضافت الروهينغا على أمل أن يتكفل المجتمع الدولي بحل أزمتهم(الجزيرة)
‪‬ بنغلاديش استضافت الروهينغا على أمل أن يتكفل المجتمع الدولي بحل أزمتهم(الجزيرة)

نزوح واستنفار
وبحلول 25 أغسطس/آب الماضي استقطب نهر "ناف" أنظار البشرية، حيث بدأ جيش ميانمار حملة عسكرية شرسة ضد أقلية الروهينغا في إقليم أراكان شمالي البلاد.

وبحسب التقارير الأممية فإن هذه الحملة العسكرية أجبرت أزيد من نصف مليون روهينغي على عبور النهر إلى بنغلاديش التي أذنت لهم هذه المرة بالدخول أملا في أن يتمكن العالم من حل مشكلتهم في المستقبل القريب.

وقد غذّت الأزمة الراهنة التوتر القائم أصلا، فحشد جيش ميانمار جنوده وآلياته شرق النهر، بينما استنفرت بنغلاديش قواتها على الشطر الغربي تحسبا لاندلاع الحرب.

وقبل أيام، قالت رئيسة الوزراء البنغالية حسينة واجد إن ميانمار تواظب على استفزاز بلادها من أجل جرها للحرب، وإنها تتصرف كما لو أن الجانبين دخلا فعليا في صراح مسلح.

وفي حديث للصحفيين كشفت الشيخة حسينة أنها أبلغت القادة العسكريين بالإعراض عن استفزازات ميانمار، "على أن يبقوا على أهبة الاستعداد في انتظار صدور الأوامر".

المصدر : الجزيرة