إدلب.. بؤرة صراع واتفاق الأطراف المتناقضة

الجزيرة نت – على الرغم من أن اتفاق خفض التصعيد في محافظة إدلب وأجزاء من محافظات اللاذقية وحلب هو الرابع من نوعه في سوريا، فإنه الأول في تحول أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي هناك إلى أطراف اتفاق.
وفي حال نجاح تنفيذه، فإن الاتفاق قد يؤسس لمرحلة جديدة من التحالفات التي أسست لها جولات مفاوضات أستانا، فقد حوّل روسيا وإيران وتركيا -إضافة للنظام السوري- إلى أطراف تلتقي لأول مرة على أهداف معلنة وأخرى مضمرة تلتقي فيها مصالحها دون إعلانها.
وإدلب -التي كانت أول محافظة تخرج عن سلطة نظام بشار الأسد منذ اندلاع الصراع المسلح بعد انطلاق الثورة عام 2011- هي اليوم آخر محافظة خارج سيطرة النظام، كما أنها تحولت لأكبر تجمع للمجموعات السورية المسلحة من مختلف التوجهات، عوضا عن انتقال مئات آلاف السوريين من مناطق "اتفاقات الهدنة" في حلب وحمص وريف دمشق وحماة وغيرها للسكن بالمحافظة التي بات يقطنها اليوم ثلاثة ملايين مواطن.

 

مقاربات جديدة
ويحمل الاتفاق على إدلب سلسلة من المقاربات الجديدة، أهمها أنها تؤسس لأول مرة لشرعية الدور التركي في سوريا، وعلى الرغم من اعتبار الخارجية السورية أن هذا الاتفاق "مؤقت" ولا يعطي لتركيا هذه الشرعية، فإن مصالح دمشق وأنقرة تلتقي لأول مرة منذ اندلاع الصراع.

ويظهر ذلك جليا في هدف إستراتيجي لكلا الطرفين يتلخص بمنع المليشيات الكردية التي تشكل العمود الفقري لـ قوات سوريا الديمقراطية من تحقيق أهدافها بتشكيل (كانتون) شمالي البلاد، ويظهر ذلك جليا في إمكانية التقاء القوات التركية في إدلب مع قوات النظام السوري التي تعبر شرق نهر الفرات مما سيقطع الطريق على تقدم القوات الكردية.
المقاربة الأخرى أن الاتفاق على إدلب أسس على تشكيل قوات روسية تركية إيرانية من الشرطة العسكرية بصفة مراقبين، وبعدد يصل إلى 1500 جندي غير مقاتل -بواقع خمسمئة من كل طرف- للانتشار بالمنطقة، وهو ما أعطى روسيا لأول مرة شرعية الانتشار في مناطق تخضع لسيطرة المعارضة السورية.
ويعزز البند الخامس من الاتفاق التأكيد على الاعتراف بالدور التركي في إدلب، حيث نص على تشكيل لجان عمل روسية إيرانية تركية مشتركة. علما بأن الاتفاقات السابقة كانت تنص على أن تتشكل هذه اللجان من روسيا وإيران.

 

قوات تركية تنتشر بالقرب من الحدود السورية بمحافظة إدلب 
قوات تركية تنتشر بالقرب من الحدود السورية بمحافظة إدلب

تحديات الاتفاق
غير أن التحديات الماثلة في إدلب لا يمكن تجاهلها، لاسيما وأن المحافظة تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام –التي تمثل جبهة النصرة عمودها الفقري- بنسبة تصل إلى 80%، حيث نص الاتفاق في بنده السادس على مواجهة تنظيم الدولة والجبهة.

ويضاف إلى ذلك أن الهيئة غير الممثلة في الاتفاق أرسلت رسائل متناقضة، فقد هددت في بيان رسمي لها القوات التركية، كما أعلنت أنها ستواجه أي وجود روسي أو إيراني وأي مجموعات تتعاون معهما، لكنها في نفس الوقت وفرت الحماية لبعثة مراقبين أتراك دخلت إدلب الأحد الماضي.
التحدي الآخر يتمثل في وجود أهداف خاصة لكل طرف قد تعقّد المهمة المشتركة للأطراف الثلاثة، فتركيا تسعى لبسط نفوذها بالمحافظة التي تمثل عمقا إستراتيجيا لها، لكن عينها ستبقى على منع القوات الكردية من تعزيز نفوذها على حدودها، وقد تضطر للدخول في مواجهة مع هذه القوات داخل الأراضي السورية في أي وقت.
أما إيران فإنها تهدف لتعزيز نفوذها في سوريا وحماية قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين في المحافظة السنية.
وبالنسبة لروسيا فإنها تريد المحافظة على دورها كلاعب أساسي بالمعادلة السورية، بل إن مسؤولين بالخارجية والدفاع تحدثوا عن وجود مجموعات مسلحة في إدلب تريد عقد اتفاقات مع النظام، وهو ما قد يعقد من خارطة الصراع هناك.

 

ثمن الانهيار

ويبدو أن ثمن انهيار الاتفاق سيكون باهظا جدا، ليس من حيث الكلفة السياسية والعسكرية فحسب، بل إنسانيا مما يدفع بمصير نحو ثلاثة ملايين سوري نحو المجهول.
وبالرغم من كل ما سبق فإن اتفاق إدلب أسس لمرحلة جديدة من إدارة الصراع في سوريا، تتمثل في الاعتراف بتركيا كلاعب أساس في المعادلة السورية، كما أنه ساهم في تغيير توازنات القوى بين الأطراف المختلفة، وربما عزز مصالح النظام السوري أكثر في جولة المفاوضات المقبلة في جنيف، ومن الضغوط على المليشيات الكردية التي ربما تجد نفسها بمواجهة مع القوات التركية من جهة، وقوات النظام السوري وإيران والمليشيات المدعومة منهما.
المصدر : الجزيرة