ثورة يناير بذكراها السادسة.. هل من جديد؟

epa03551800 (FILE) A file photo dated 08 February 2011 shows Egyptian anti-government protesters gathering on Tahrir Square as protests continues in Cairo, Egypt. Egyptians on 25 January 2013 will mark the second anniversary of the 2011 revolution which forced Mubarak to step down on 11 February 2011. EPA/KHALED EL FIQI
ثورة يناير شهدت اعتصام مئات الآلاف من المصريين في ميدان التحرير بقلب العاصمة القاهرة (الأوروبية-أرشيف)

أنس زكـي

على عكس السنوات الماضية تكتسب ذكرى ثورة يناير في مصر زخما كبيرا هذا العام بالنظر إلى العديد من العوامل والمستجدات التي تدفع البعض إلى توقع تجدد الثورة، في مواجهة آخرين يعتقدون أنها باتت محض ذكرى.

وحفر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 لنفسه مكانا في تاريخ مصر، عندما خرج فيه الآلاف  رافعين شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، وتحولت المظاهرات إلى اعتصام بميدان التحرير وسط القاهرة شارك فيه مئات الآلاف على مدى 18 يوما حتى أجبروا حسني مبارك على التنحي عن السلطة التي قضى فيها ثلاثين عاما.

وبعدما تسلم المجلس العسكري السلطة لنحو عام ونصف، اضطر تحت وطأة مظاهرات جديدة، إلى إجراء انتخابات رئاسية في منتصف 2012، جاءت بمحمد مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعدما كان حزب الحرية والعدالة الممثل السياسي للجماعة قد حاز الأكثرية في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة.

لكن المسار الديمقراطي الوليد تعثر بعد عام واحد من حكم مرسي عندما أقدم وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي على قيادة انقلاب عسكري عطل الدستور واعتقل مرسي كما عين رئيسا مؤقتا، قبل أن يعود السيسي ويتولى الرئاسة بنفسه عبر انتخابات جرت في منتصف 2014.

واستخدم السيسي سياسة قمعية جلبت له كثيرا من الانتقادات، لكنها نجحت على ما يبدو في محاصرة الحراك الثوري خصوصا مع سن قوانين تشدد القيود على التظاهر، ومع إعلام مكثف يؤيد السيسي ويبرر قراراته ومواقفه.

‪في ثورة يناير كان غضب الشباب أقوى من القمع الأمني‬ (الأوروبية-أرشيف)
‪في ثورة يناير كان غضب الشباب أقوى من القمع الأمني‬ (الأوروبية-أرشيف)

وفي الأعوام القليلة الماضية، مرت ذكرى الثورة في هدوء نسبي ساعد عليه تشديد الإجراءات الأمنية قبيل حلول الذكرى، ناهيك عن إغلاق الميادين التي ارتبطت بالحراك الجماهيري على مدى السنوات السابقة.

ورغم استمرار التشديد والقمع، فإن الحال في الذكرى السادسة قد يختلف عن سابقاتها بالنظر إلى مجموعة من العوامل والمحفزات:

تدهور اقتصادي
ربما لم يعانِ المصريون منذ زمن بعيد مثل هذه الحالة من التدهور الاقتصادي وغلاء الأسعار، خصوصا بعد "تعويم الجنيه" وانخفاض قيمته بشكل كبير ليقترب الدولار من سعر عشرين جنيها بعدما كان في حدود سبعة جنيهات في عهد الرئيس المعزول مرسي.

وتضاعفت أسعار كل شيء في مصر وآخرها الأدوية بينما، ظلت الرواتب على حالها خاصة بالنسبة لعموم الناس، فتضاعفت الشكاوى حتى في الإعلام المؤيد للنظام الحالي.

تغلغل الفساد
كل يوم يمر يتأكد المصريون من حجم الفساد الهائل في بلادهم، وبعد أن أطاح السيسي بهشام جنينة رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر وهو الجهاز المركزي للمحاسبات بسبب حديث عن فساد يقدر بستمئة مليار جنيه خلال ثلاث سنوات، سرعان ما بدا حتى على لسان الإعلام المؤيد أن حجم الفساد ربما يفوق ما تحدث عنه جنينة وأثار عليه ثائرة السلطة وأتباعها.

تراجع الهيبة
بنى السيسي جزءا كبيرا من شرعيته على مواجهة الإرهاب واستعادة مصر قوتها لتصبح "قد الدنيا" حسب تعبيره، لكن بدا أن النتيجة الفعلية هي تفشي الإرهاب، ولم تعد هجماته تقتصر على سيناء في شرق مصر، بل طالت غرب البلاد وجنوبها، ووصلت إلى قلب القاهرة والجيزة أكثر من مرة.

نجلا مبارك
بعد البراءة من أحكام بالسجن، عاد علاء وجمال نجلا الرئيس المخلوع حسني مبارك للظهور العلني، الذي اقتصر في البداية على حضور مناسبات كالعزاء، ثم وصل إلى حد حضور مباريات رياضية، مع انتشار صفحات تروج لجمال مبارك على مواقع التواصل، وهو ما أزعج كل الأطراف، فمؤيدو النظام يخشون من طرح جمال نفسه بديلا للسيسي، ومعارضوه يرون في ذلك محاولة لإعادة نظام أبيه المخلوع وخططه في التوريث.

تيران وصنافير
أحدثت قضية جزيرتي وصنافير واتفاق القاهرة والرياض على تبعيتها للسعودية، ضررا واضحا بنظام السيسي، خاصة أن المصريين لم يسمعوا من قبل بأن هاتين الجزيرتين تتبعان لدولة أخرى، وجاء حكم القضاء ببطلان الاتفاقية ليعطي الفرصة لمعارضي السيسي بوسمه بالخيانة والتفريط، ولبعض مؤيديه باتهامه بسوء إدارة الموقف.

الإخوان والبرادعي
بعد شهور من حكم مرسي دب الخلاف بين شركاء ثورة يناير، وأيد بعضهم الانقلاب عليه متهمين الإخوان المسلمين بالتخلي عن الخط الثوري، لكن الأشهر الأخيرة شهدت تصريحات إخوانية تتحدث عن "أخطاء" حدثت وتؤكد ضرورة عودة التفاهم والتعاون بين شركاء الثورة.

ورغم أن الأمر لم يذهب بعيدا في هذا الشأن لكن الكثيرين يرون أنها خطوة أولية مهمة ربما تساعد في تعاون بين هذه الأطراف التي تجد نفسها في مرمى القمع الذي يمارسه النظام حيث تحوي سجونه إلى جانب الإخوان قيادات من حركة 6 أبريل ومن الاشتراكيين الثوريين وغيرهم.

وبالتوازي، جاء ظهور الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل، بعد هدوء طويل لم تقطعه إلا تغريدات خجولة على موقع تويتر، وهو ما بدا أثره واضحا في إعلام السيسي الذي وجه انتقادات إلى الرجل الذي سبق له أن أيد الانقلاب وأصبح نائبا للرئيس المؤقت قبل أن يقدم استقالته ويتبرأ من الدماء التي أسالها النظام الجديد عندما قتل المئات من أنصار مرسي المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة في أغسطس/آب 2013.

قمع وتنكيل
وأخيرا، فإن ما يدفع الكثيرين إلى توقع إحياء الثورة بدرجة أو بأخرى هو حالة القمع التي اتسعت كثيرا وباتت تتجاوز معارضي النظام وبسطاء الناس إلى من يفكر من مؤيديه في الخروج عن النص ولو بكلمة كما حدث مؤخرا مع الإعلامي إبراهيم عيسى الذي جرى إيقاف برنامجه اليومي لمجرد انتقادات خجولة وجهها إلى النظام.

يأس ومخاوف
لكن المتابع لواقع المصريين حاليا يكتشف أن القمع كما أنه من عوامل إثارة غضب بعض المصريين، فإنه أيضا من عوامل الخوف لدى بعضهم الآخر، فأصبح شائعا أن تجد مؤيدين سابقين للسيسي يرفضون الأوضاع الحالية لكنهم يشعرون بالخوف من أي تحرك ولو بالحديث لأنهم أدركوا أن النظام الحالي لا يتسامح مع أي معارضة مهما كانت صغيرة أو من داخل المعسكر.

ولذلك فإن بعض المصريين لا يخفون شعورهم باليأس والتشاؤم من احتمال تجدد الثورة، خصوصا أن إعلام السلطة نجح في إقناع فئات لا يستهان بها من الشعب بأن كل الشرور التي لحقت بمصر كانت نتيجة للثورة على حكم مبارك، وبأن الصبر على حكم السيسي مهما شهد من غلاء أو غياب للحرية هو أفضل من أن تشهد مصر حربا أهلية على غرار دول أخرى مجاورة.

وبين الثائرين المتفائلين والخائفين المتشائمين، تبقى حقيقة ما تتجه إليه الأوضاع في الذكرى السادسة لثورة يناير بعيدة عن الجزم واليقين، فعلى المتفائلين أن يدركوا أن التغيير ليس سهلا وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية كهذه، وعلى اليائسين المتشائمين أن يدركوا أنه في الـ24 من يناير/كانون الثاني 2011 لم يكن مصري واحد يتوقع أن ينجح الشباب الثائر في تحقيق حلم الإطاحة بمبارك.

المصدر : الجزيرة