الاحتلال يشتت عائلات فلسطينية بين القدس والضفة

الهوية الفلسطينية التي يحملها الفلسطينيون من الضفة الغربية والهوية الزرقاء هي التي يحملها المقدسيون كمقيمين في المدينة(الجزيرة نت)
الهوية الفلسطينية التي يحملها أهل الضفة والهوية الزرقاء الخاصة بالمقدسيين بوصفهم مقيمين (الجزيرة)

أسيل جندي-القدس

عندما فاجأت آلام المخاض المقدسية فداء عبد اللطيف إيذانا بموعد خروج طفلتها الثانية إلى الحياة، لم تتصور للحظة أنها ستضعها دون أن يتمكن زوجها الذي يحمل هوية الضفة الغربية من الوقوف بجانبها، فولدت الطفلة وأطلقت صرخاتها الأولى، بينما اكتفت الأم بالدموع والأنين لعدم الاستجابة لمطالبها بحضور زوجها.

ولم يتمكن الزوج من الحضور إلى مستشفى المقاصد بالقدس لأن التصريح الذي تمنحه له سلطات الاحتلال لدخول المدينة المحتلة ينتهي في تمام السابعة مساء، ولا يسمح له بدخول القدس إلا في صباح اليوم التالي، وقدر لزوجته أن تضع طفلتهما بعد منتصف الليل وحدها، مما ترك أثرا سلبيا عميقا في نفسها.

مصيران قاسيان
تحدثت فداء للجزيرة نت عن التعقيدات التي تواجه كل فتاة أو شاب مقدسي قرر اختيار شريك حياته من إحدى محافظات الضفة، موضحة أن الشخص في هذه الحالة يُوضع أمام خيارين: إما الانتقال للعيش مع الشريك خارج القدس مقابل التضحية بالهوية الزرقاء المقدسية وحق الإقامة بالمدينة، أو الاستقرار في القدس بعيدا عن الشريك للحفاظ على هذه الهوية وضمان حصول الأطفال عليها مستقبلا.

"خياران أحلاهما مر".. هكذا وصفتهما المقدسية التي اختارت الاستقرار في القدس قرب عائلتها، بينما يتردد زوجها على زيارتهم كلما سمحت له ظروف العمل والأوقات التي تحددها له سلطات الاحتلال على الحواجز المؤدية إلى القدس.

وتضيف فداء أنها لن تكون يوما سعيدة تماما، فثمة مرارة تعيشها وهي تراقب طفلتيها تكبران بعيدا عن حضن والدهما، وتقول "لا استقرار في حياتي بتاتا.. وضعتُ طفلتي قبل أربعة أشهر، لكنها لم تُسجل كمرافقة في هويتي الزرقاء حتى الآن، رغم حالة التشتت التي نعيشها في سبيل حصول أبنائنا على هذه الهوية".

وأما الفلسطيني أبو محمد فتزوج بفتاة مقدسية عام 2000 وانتقل للعيش معها في القدس حتى العام 2007، وبدأ الاحتلال آنذاك بمنعه من دخول المدينة بعد إكمال بناء جدار الفصل حولها، فاضطر للانتقال للعيش في بلدة "كفر عقب" خلف الجدار مع زوجته وأبنائه الأربعة.

ويروي أبو محمد للجزيرة نت معاناته قائلا "تقدمت زوجتي لوزارة الداخلية الإسرائيلية بطلب للم الشمل مرتين سعيا لحصولي على تصريح إقامة دائم بالقدس، لكن رد الوزارة كان الرفض الأمني بعد تقديم الطلب بعام ونصف".

ظروف مأساوية
ويتابع أبو محمد "لم أعتقل لدى سلطات الاحتلال ولم يفتح لي ملف أمني يوما، لكنني لا أملك سوى الصمت والصبر.. نعيش خلف الجدار حياة مأساوية وندفع لبلدية الاحتلال كافة الضرائب، لكننا لا نتلقى خدمات بتاتا، ونخشى أن تقرر الحكومة الإسرائيلية بين ليلة وضحاها إخراج الأحياء خلف الجدار من حدود بلدية القدس، عندها سنخسر كل شيء".

‪عودة: تحديد سن الرجل والمرأة للتقدم بطلب لم الشمل من أكثر القوانين ظلما‬ (الجزيرة)
‪عودة: تحديد سن الرجل والمرأة للتقدم بطلب لم الشمل من أكثر القوانين ظلما‬ (الجزيرة)

وحاول إبقاء مكان عيش أبنائه في القدس قدر المستطاع، فتلقوا تعليمهم على مدار السنوات الماضية في مدارس تقع في الجهة الأخرى من جدار الفصل، لكنه اضطر لنقلهم هذا العام إلى مدارس قريبة من منزلهم بسبب طول الوقت اللازم لعبورهم حاجز قلنديا العسكري.

وحول الإجراءات المعقدة التي تفرضها الداخلية الإسرائيلية على العائلات المختلطة من القدس والضفة، يقول المحامي معين عودة إن تحديد سن الرجل والمرأة للتقدم بطلب لم الشمل يعد من أكثر القوانين ظلما، إذ تشترط على الزوج الفلسطيني بلوغ سن الخامسة والثلاثين حتى تتمكن زوجته المقدسية من تقديم الطلب، بينما تشترط على المرأة بلوغ سن الخامسة والعشرين حتى يتمكن زوجها من تقديم الطلب.

ويضيف عودة أن الداخلية الإسرائيلية تلزم في المقابل هؤلاء الأزواج بتقديم إثباتات سكنهم بالقدس، رغم أنها لا تمنحهم تصاريح لدخول المدينة حتى بلوغ السن القانوني الذي تقره، مما دفع بالعديد من العائلات المختلطة إلى السكن خلف الجدار ضمن حدود بلدية القدس التي قد تقرر تل أبيب تغييرها مستقبلا، وحرمان من يعيشون خلف الجدار من الهويات الزرقاء.

المصدر : الجزيرة