رضيعة إدلب.. أمل يتحدى القصف

أنس زكي

وكأنهم في سباق لحشو سجل جرائمهم بالمزيد إن لم يكن في حلب هذه المرة ففي إدلب أو غيرهما، لا بأس فقائمة الأهداف لدى نظام بشار الأسد وحليفه الروسي لا تنتهي، ولا تأبه بأن يكون ضحاياها من أبناء هذا الوطن.

فبعد أسبوع من غارات همجية على حلب راح ضحيتها مئات القتلى والمصابين خصصت آلة القتل بعض وقتها لإدلب التي جاء دورها مجددا لتنال نصيبا من قصف لا يرحم أحدا، ولا يفرق بين مقاتل ومدني، بل يبدو أن المدنيين باتوا هدفا أول لنظام لا يعرف غير لغة القتل ولا ينتعش إلا بلون الدم.

أربع غارات استهدفت أحياء سكنية في إدلب، واستهدفت كذلك شركة الكهرباء فأحرقتها وسوت مبناها بالأرض مثله مثل العديد من مباني المدينة.

في هذه اللقطات المصورة منزل من أربعة طوابق أحاله القصف أنقاضا وركاما فوق رؤوس ساكنيه ليبدأ رجال الدفاع المدني على الفور كفاحهم الذي بات يوميا على أمل إنقاذ أحياء، وفي الحد الأدنى انتشال جثث من قتلوا من دون ذنب جنوه أو جريرة اقترفوها.

المهمة كانت صعبة كالمعتاد، لكن الأمل أيضا كان موجودا لدى الرجال، ليوجه القدر لهم رسالة جديدة من صاحب التدبير جل شأنه أنه لا يكون إلا ما يريد، وأن الأمل كثيرا ما يولد من رحم المعاناة وأن النبتة تخرج، ويا للعجب من باطن الصخر!

بأي ذنب؟
لا أحد ربما يعرف اسم هذه الطفلة على الأقل للوهلة الأولى، وهي أيضا لا تعرف لماذا لحق بها الأذى من جانب سلطة كان يفترض أن تقوم بحماية الشعب وخدمته لا قتله أو على الأقل تخويفه وإصابته.

أما هذا المسعف الذي يكنى بأبو كفاح، ورغم أن عمله اليومي في الإسعاف في ساحة كهذه عامر بالكفاح والصبر بما يجعل منه ذا شدة وبأس لكن الرجل لم يتحمل هذه المرة ذلك الخليط من أجواء الحزن والسعادة والألم والأمل وقد خرجت هذه الرضيعة سالمة من تحت أنقاض الطوابق الأربعة.

يحكي أبو كفاح عن سعادته بإنقاذ الطفلة ويثني على لطف المولى عز وجل وقدرته، ويقول إنه تأثر كما لم يتأثر من قبل واحتضن الرضيعة داخل الإسعاف في الطريق إلى المشفى لأنه شعر كأنها ابنته.

أما الرضيعة فلم تقو حتى على البكاء لعلها كانت تتساءل -إن كانت تستطيع- عن أي ذنب ارتكبته ليحدث لها ما حدث، ولعلها كانت تفكر وهي في حضن ذلك المسعف النبيل عما إذا كان الزمان سيجود عليها وتعود مجددا لصدر أمها الحنون أم أن القصف الظالم كتب كلمة النهاية ولما يمض شهر واحد على البداية.

المصدر : الجزيرة