الإنترنت ساحة صراع بشأن وزيرة التربية بالجزائر

وزيرة التربية الوطنية الجزائرية نورية بن غبريط
وزيرة التربية الوطنية الجزائرية نورية بن غبريط تثير الجدل بإصلاحاتها (الجزيرة)

ياسين بودهان-الجزائر

منذ تعيينها على رأس وزارة التربية في الجزائر باتت نورية بن غبريط رمعون من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل ومتابعة عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، وانقسم الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين منتقد لأساليبها ومؤيد لها.

رحلة بن غبريط مع الانتقادات ودعوات الرحيل بدأت مبكرا مع توليها المنصب، ففي أول أيامها واجهت العديد من التهم المتعلقة بأصولها، حيث ذهب البعض إلى القول إن الوزيرة القوية ابنة محافظة تلمسان في الغرب الجزائري -وهي نفس المحافظة التي ينحدر منها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة– من أصول يهودية، وإن لم يثبت أحد صحة هذه الدعوى.  

متاعب الوزيرة مع التحدث باللغة العربية والتهمة السابقة شكلت بابا لانتقادات باتت تتكرر في كل مناسبة، حيث تتهم لدى خصومها بمحاولة تغريب وفرنسة المدرسة من خلال إضعاف ثوابت الهوية الوطنية لدى النشء، خاصة ما يتعلق باللغة والدين، وهو ما تنفي الوزيرة صحته.

فمن معركة استعمال اللغة الدارجة أو العامية في المناهج الدراسية بالطور الإعدادي، مرورا برقصة "الواي واي" داخل الأقسام، ثم باحتجاجات الأساتذة المتعاقدين، ثم تسريبات شهادة البكالوريا التي كانت سابقة من حيث الشكل ومدى الانتشار، ثم قضية المعلمة صباح بودراس التي أشادت باللغة العربية داخل الفصل الدراسي ووثقت ذلك بشريط فيديو، وصولا إلى المناهج التربوية التي تصدى لإعدادها أكثر من مئتي خبير وأكاديمي.

‪أطفال يطالعون كتبا مدرسية بالجزائر‬ (الجزيرة)
‪أطفال يطالعون كتبا مدرسية بالجزائر‬ (الجزيرة)

أخطاء لا تغتفر
كل ما سبق من محطات أجج الجدل بشأن صراع الهوية الذي لم يحسم بعد داخل المجتمع الجزائري، والذي باتت المدرسة واجهة له.

ولم يجد فرسان هذا الصراع غير شبكات التواصل الاجتماعي لإقامة محاكمات افتراضية للوزيرة التي تجند فريقا من المجتمع للدفاع عنها، وأضحت القضية حسب المعسكرين مسألة حياة أو موت، وأدى ذلك إلى نشر صورة كتبت عليها عبارات تهدد الوزيرة ووضع بجانبها مسدس.

وفي الجانب المهاجم عن الثوابت الوطنية برزت العديد من الصفحات عبر فيسبوك، أهمها صفحة "وان تو ثري فيفا لا لجيري"، وصفحة "تحيا الجزائر"، وصفحات كتاب على غرار ياسين اعمران ومعمر بودالي، وغيرهم كثير.

وبالنسبة للناشط والمدون ياسين اعمران فقد استلهم واستحضر تجربة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مكافحة الاستعمار الفرنسي لأن الظرف الحالي يشبه ما حدث إبان فترة الاحتلال.

ودعا اعمران أصدقاءه إلى التحرك لخوض معركة حقيقية فكرية وقيمية وأخلاقية، وفي ذلك يقول "أيها الأصدقاء لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نرى أبناءنا يسقطون ضحايا للمدرسة اللائكية دون أن نحرك ساكنا، مهما كانت الظروف الواقعية سوداوية ومحبطة علينا أن نقتنع بأن الخير لن يعدم، وأن كل فرد فينا قادر على تقديم النزر اليسير والجهد البسيط لإنقاذ أبناء الجزائريين".

ويتابع "معركتنا الحقيقية فكرية وقيمية وأخلاقية قبل كل شيء".

‪احتجاجات سابقة للأساتذة المتعاقدين بالجزائر‬ (اللجنة الوطنية للأساتذة المتعاقدين)
‪احتجاجات سابقة للأساتذة المتعاقدين بالجزائر‬ (اللجنة الوطنية للأساتذة المتعاقدين)

أما الإعلامي زبير فاضل فقد خاطب بن غبريط مغردا عبر وسم #لن_نعترف_بالصهاينة_يابن_غبريط، وهو الوسم الذي أطلقه نشطاء بعد استبدال إسرائيل باسم فلسطين في كتاب الجغرافيا بقوله "آسفون يا بن غبريط، لأننا نكتشف أخطاء لا تغتفر وتصل إلى حد تاريخ الجزائر، والمس بالوحدة الوطنية".

أما المدون هادي النجار فقد حذر من خلال حسابه الشخصي في فيسبوك من أن الاستسلام لبن غبريط ومن ورائها سيتسبب في "اندثار ما تبقى من قيم، وستنهار المنظومة الأخلاقية كلها، وسيميع التاريخ".

واستقطبت حملة الانتقادات أوجها فنية أخرى، في صدارتها فنان الراب "كريم الكانغ" الذي نشر على حسابه في فيسبوك شريط فيديو ينتقد فيه بشدة إدراج كملة إسرائيل بدل فلسطين في مناهج الجيل الثاني من الإصلاحات.

‪منشور لمديرة يومية الفجر الجزائرية المساندة لوزيرة التربية نورية بن غبريط‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)
‪منشور لمديرة يومية الفجر الجزائرية المساندة لوزيرة التربية نورية بن غبريط‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)

منشورات تحريضية
وفي المعسكر الآخر، تصدى إعلاميون وكتاب وأكاديميون ضد ما يسمونه مشروع "دعشنة" المدرسة الجزائرية (نسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية).

وذهبت مديرة صحيفة الفجر الخاصة حدة حزام إلى القول إن الله خلق اليهود للعيش فلماذا يحرمون من حقوقهم؟ داعية من سمتهم "أعداء الإنسان وأصحاب الفكر الداعشي" إلى التفكير منطقيا.

أما أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة إسماعيل مهنانة فقد كتب في صفحته مؤكدا أن 80% من الكراهية التي تطال بن غبريط سببها أنها امرأة. وبرأيه، فإن "أهم ما في هذه الحرب بين بن غبريط وخصومها أن المشكلة باتت واضحة: هل نجتث جذور الإرهاب من المدرسة أم نبقي عليه ونحاول التعايش معه كقدر؟".

في حين ذهبت بعض الصحف المساندة للوزيرة إلى الحديث عن شبكات "سلفية" تحرض ضد بن غبريط في المساجد.

ونشرت يومية المحور في عددها الصادر بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول الجاري تقريرا أكدت فيه شروع مصالح الأمن في تحقيقات موسعة بعد رواج منشورات تحريضية في المساجد والمدارس، وهي المحاولات التي اعتبرتها الصحيفة "يائسة لتأليب الرأي العام على مسؤولة قطاع التربية وإثارة البلبلة بمعارك أيديولوجية بعثت مجددا صراع الهوية إلى الواجهة".

المصدر : الجزيرة