التعليم العالي بمصر في مهب الريح

حرم جامعة القاهرة
جامعة القاهرة تراجعت خمسين مركزا دفعة واحدة (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة 

أصدرت مؤسسة "كواكواريلي سيموندس" البريطانية مؤخرا تصنيفها "كيو أس" لأفضل خمسمئة جامعة على مستوى العالم خاليا من أي جامعة مصرية، كما أظهرت إحصائية حديثة لمعهد الإحصاءات التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم إنفاق إسرائيل أكثر بـ12 مرة مما تنفقه مصر على الأبحاث والتطوير.

وأظهرت هذه المؤشرات حجم التراجع في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بمصر خلال الآونة الأخيرة، وهو ما ظهر كذلك من خلال منع عدد من الدول طلابها من دراسة الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية، ومنها السعودية وقطر.

وتراجعت جامعة القاهرة خمسين مركزا دفعة واحدة لتصبح في المرتبة الـ551 بعد أن كانت في المرتبة الـ501، فيما حلت جامعة عين شمس في المرتبة الـ701، تلتها جامعتا الأزهر والإسكندرية، فيما خرجت جامعة بنها من قائمة أفضل ثمانمئة جامعة على مستوى العالم.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور محمد سيد علي أستاذ هندسة الفضاء والنانو بإحدى الجامعات اليابانية أن الانحدار الذي وصل إليه الجانب العلمي بمصر ليس أمرا جديدا إلا أنه تزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الانقلاب العسكري.

وأرجع في حديثه للجزيرة هذا التدني المتزايد إلى "السياسات المتبعة تجاه التعليم، خاصة بعد الانقلاب، حيث تتمثل أولوية النظام في تجهيل الشعب لسهولة السيطرة عليه، ويظهر ذلك من خلال أمور، منها انكماش العام الدراسي الصافي بمصر إلى نحو خمسة أشهر  في مقابل عشرة أشهر في اليابان على سبيل المثال".

الميزانية المخصصة بشكل عام للتعليم بمصر لا تكاد تبلغ ميزانية تعليم إحدى المراحل الأساسية في اليابان، والنظام يتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك، فالتعليم ليس ضمن أولوياته الحالية

خارج الأولويات
ولفت الأكاديمي المصري كذلك إلى ضرورة تطوير المناهج والأسلوب المتبع في العملية التعليمية ومتابعة كفاءة المعلم في أداء مهامه وتقييمه بشكل دوري والعمل على تعريب العلوم، وهو ما يتطلب توفير إمكانيات أكبر وتخصيص ميزانية أعلى للتعليم.

وأضاف في هذا السياق أن "الميزانية المخصصة بشكل عام للتعليم بمصر لا تكاد تبلغ ميزانية تعليم إحدى المراحل الأساسية في اليابان، والنظام يتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك، فالتعليم ليس ضمن أولوياته الحالية".

وأشار إلى أن المجال البحثي في مصر متراجع إلى حد كبير بسبب بعده عن المناهج الحديثة وعدم انطلاقه من الاحتياجات اللازمة للمجتمع والبلد، فضلا عن تفاقم أزمة السرقات العلمية وشيوع تجارة الأبحاث والرسائل العلمية.

بينما يذهب رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير إلى أن "التعليم بمصر في ظل الحكم العسكري مستهدف له أن يمزق المجتمع لا أن يبنيه، ويظهر ذلك من خلال ما رصد مؤخرا من تمييع في مناهجه لهوية المجتمع وثقافته".

واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن "التعليم بمصر يفتقر إلى تنمية جانب الابتكار والإبداع ويعتمد على رؤى خارجية مصلحتها في تدني المستوى العلمي للمجتمع المصري بحيث يظل مجتمعا استهلاكيا لا ينتظر منه إنتاج أو تطور"، مشيرا في هذا السياق إلى وجود أعداد كبيرة من العلماء والمتميزين في السجون والمعتقلات.

‪جمال شيحة: هناك نوايا صادقة وعمل مخلص جاد للنهوض بالمنظومة التعليمية‬ (الجزيرة)
‪جمال شيحة: هناك نوايا صادقة وعمل مخلص جاد للنهوض بالمنظومة التعليمية‬ (الجزيرة)

مسؤولية مشتركة
وأضاف المنير "لا أحب إلقاء المسؤولية على أحد بعينه أو إعفاء طرف ما، إلا أن النظام الفاشي في مصر ومن ورائه داعموه في النظام العالمي لا تخفى مخططاتهم في استهداف العلماء والعلم وتحري إفساد هذا الجانب وتدمير الأجيال القادمة، والمجتمع يتحمل المسؤولية بقدر سكوته على ذلك وعدم وقوفه أمام هذا النهج".

في المقابل، يرى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب المصري جمال شيحة أن خروج الجامعات المصرية من التصنيف العالمي وما أظهرته الإحصائية الأممية من تدني مستوى الإنفاق على المجال البحثي في مصر ناتجان عن سياسة متبعة منذ ثلاثين عاما من المنتظر أن تتغير في المرحلة المقبلة.

وشدد شيحة في حديثه للجزيرة نت على أن "هناك نوايا صادقة وعملا مخلصا جادا لقلب هذه المعادلة والنهوض بالمنظومة التعليمية من عثرتها، وأن المرحلة المقبلة تشهد تغيرات تدل على ذلك".

وتابع "ليس من الإنصاف تحميل مسؤولية هذا التدهور للقائمين على الدولة في هذا التوقيت، والمتابع لأداء مجلس النواب سيرى نشاطا واسعا لمعالجة واقع التعليم، وقد عقدنا في اللجنة أكثر من أربعين اجتماعا قمنا خلالها بتغيير سياسات خاصة بالقطاع سيظهر أثرها خلال المرحلة المقبلة".

المصدر : الجزيرة