هاجس التقسيم يوجه الدور التركي في سوريا
مخاوف تقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي ابتداء من سوريا تفسر اتجاهات أنقرة الأخيرة بالتعاطي مع الملف السوري الذي تعد تركيا من أكثر المؤثرين والمتأثرين بتفاعلاته.
وأظهرت تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم -التي قال فيها إن بلاده ستقوم بدور أنشط في القضية السورية خلال الأشهر الستة المقبلة- توجه أنقرة إلى تبني أدوار جديدة قد تكون أكثر فاعلية في التعامل مع الأزمة السورية الممتدة لأكثر من خمس سنوات.
وكان يلدرم قد قال في لقاء مع الصحفيين بمدينة إسطنبول إنه يمكن اعتبار الرئيس السوري بشار الأسد طرفا في مرحلة انتقالية من دون أن يكون جزءا من مستقبل سوريا، مشددا على أن تركيا لن تسمح بتقسيمها على أساس عرقي.
ووفقا لمحللين سياسيين وخبراء في علاقات تركيا الدولية، فإن هاجس تقسيم المنطقة على أسس عرقية ومذهبية هو السيناريو الأسوأ الذي تخشاه أنقرة وتعمل على تجنبه عبر إنهاء الأزمة في سوريا الأكثر عرضة للتقسيم.
مخطط التقسيم
يقول الكاتب والمحلل السياسي بكير أتاجان إن تركيا تستغل كدولة سنية علاقاتها الجيدة بكل من طهران وموسكو وواشنطن ودول الخليج العربي، لحثها على الإسراع في حل الأزمة السورية لتلافي مخطط لتقسيم المنطقة على أسس عرقية ومذهبية كما حدث في يوغسلافيا.
وأشار أتاجان إلى تصريحات يلدرم التي قال فيها إن هناك أرضية مشتركة تجمع تركيا مع الدول المذكورة لحل الأزمة السورية، مستبعدا اتفاق هذه الدول على مبدأ تجنب التقسيم لاعتبارات مصلحية توجه سياسة كل دولة منها.
واعتبر المحلل السياسي التركي في حديث للجزيرة نت أن واشنطن لن تتراجع عن مخططها لتقسيم المنطقة الذي بدأته مع احتلالها للعراق عام 2003، فيما تهتم موسكو بالبقاء في منطقة المتوسط بوجود الأسد أو من دونه، بينما تحرص طهران على التوسع المذهبي عبر نشر التشيع في المنطقة.
ولفت إلى أن أنقرة تحاول بناء تحالف جديد في المنطقة يتجاوز الخلاف الخليجي العربي مع إيران عبر حل المسألة السورية، وضمان عدم قيام كيان كردي غرب الفرات باعتبار ذلك مقدمة لتقسيم تركيا وإيران حاليا، وتقسيم روسيا متعددة الأعراق والمذاهب لاحقا.
وأشار إلى أن تركيا لم تغير موقفها من الأسد، ولن تقبل بالجلوس معه أو محاورته، لكنها لن تعارض حوار الآخرين معه خلال الأشهر الستة المقبلة لبناء دور ينهي الأزمة السورية التي باتت تهدد بتقسيم كامل المنطقة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال الأحد -في تعليقه على تفجير غازي عنتاب- إن القوى التي فشلت في إخضاع تركيا وهزيمتها تحاول هذه المرة تفعيل سيناريوهات تحريض قائمة على أساس عرقي ومذهبي، بهدف ضرب وحدة الشعب وتكاتفه"، مشددا على أن "الدولة والشعب لن يسمحا بنجاح المخططات الرامية إلى تقسيم البلاد".
لا تغير بالموقف
من جانبه، رأى الباحث في العلاقات الدولية بمركز ستا التركي محمود الرنتيسي أن تركيا لم تغير موقفها من الأسد، معتبرا أن تصريحات يلدرم تشير إلى مزيد من الوضوح في أولويات الموقف التركي الذي وضع التصدي لمشروع الكيان الكردي في مقدمة أولوياته بعدما كان يضع تلك المهمة مع مواجهة نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية في نفس المقام.
وقال الرنتيسي إن تركيا التي تضررت بحكم موقعها من الخلاف مع الغرب أكثر من تضرره تريد تحقيق رؤيتها عبر تجنب قيام كيان كردي في شمال سوريا يهدد وحدة أراضيها.
وردا على سؤال للجزيرة نت قال الرنتيسي إنه لا يعتقد بإمكانية تشكل قطب تركي روسي يحاول فرض أجندته أو مشاريعه على الغرب، ولا سيما في المسألة السورية، لكنه أوضح أن التنسيق بين أنقرة وموسكو والتوافق على بعض نقاط الالتقاء بينهما باتا مصلحة للطرفين.
ورأى أنه من الممكن أن يتخلى الروس في سياق توافقات معينة مع الأتراك عن دعم حزب العمال الكردستاني.