علمانيو تركيا.. معارضون لأردوغان والانقلاب عليه

دولت بهجلي رئيس حزب الحركة القومية في تركيا

محمد أعماري

لم تجد الأحزاب العلمانية في تركيا صفة سلبية يمكن أن تصف بها رئيس البلاد رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم إلا واستخدمتها في صراعها السياسي معه في عدة محطات طيلة السنوات الماضية، لكنها أيضا لم تدخر أي كلمة يمكن أن تسعها في إدانة قوية للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي أرادت الإطاحة به مساء الجمعة.

علمانيو تركيا في خلافهم السياسي والانتخابي مع أردوغان وصفوه بأنه "دكتاتور"، وفي انتقادهم للتفجيرات التي ضربت إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن اتهموه هو وحزبه بالمسؤولية عن "الإرهاب"، وفي صراعهم معه بشأن الأزمة السورية قالوا إن يديه ملوثتان بدماء السوريين بسبب دعم حكومته لبعض الفصائل السورية، لكنهم عندما خرج ضباط وجنود للإطاحة به هبوا مدافعين عن الديمقراطية ومؤسساتها.

الديمقراطية تاج
كمال كليجدار أوغلو -وهو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه أبو العلمانية التركية كمال أتاتورك، والذي ذاق مرارة الانقلابات العسكرية يوم أغلقت مقراته عقب انقلاب 1980 ولم يسمح له باستئناف عمله السياسي إلا بعد 12 عاما- لم يتردد في إدانة محاولة الانقلاب الفاشلة أمس الجمعة، لأن "الجمهورية التركية لم تُقدّم لنا على طبق من ذهب، بل بنيت بالدم والدمع والألم"، حسب قوله في الجلسة الاستثنائية التي عقدها البرلمان مساء السبت.

undefined

ورغم أن وفدا من هذا الحزب زار القاهرة عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي يوم 3 يوليو/تموز 2013، والتقى بوزير الخارجية في الحكومة المصرية آنذاك نبيل فهمي وشدد على "احترام إرادة الشعب المصري"، فإن قادته لم يكونوا ليقفوا إلى جانب قادة الانقلاب الفاشل في تركيا كما فعل بعض علمانيي مصر يوم وضعهم قائد الانقلاب آنذاك عبد الفتاح السيسي حوله وهو يتلو بيان عزل الرئيس وفرض الطوارئ وإيقاف العمل بالدستور.

ولأن "الديمقراطية تاج الجمهورية" التركية و"وصية" مؤسسها ومؤسس الحزب، فإن كليجدار أوغلو اعتبر الانقلاب موجها ضد هذه الديمقراطية وضد تاريخ تركيا وثقافتها وقيمها المشتركة، ورأى فيها "محاولة آثمة" تستحق "اللعنة".

"دفعنا ثمنا غاليا من أجل الديمقراطية وسندافع عنها بكل ثمن، وتقويتها واجبنا كلنا" يقول زعيم حزب الشعب الجمهوري، داعيا إلى "الوقوف في وجه كل المحاولات التي تستهدف النظام البرلماني الديمقراطي"، وفي الوقت نفسه وجه رسالة مبطنة إلى خصمه السياسي بالتأكيد أن الديمقراطية "ليست باستعلاء مجموعة على أخرى"، وأنها قبول "بحرية الفكر وحرية المعتقد وحرية الصحافة"، وقبول "بالقضاء المحايد وفصل السلطات".

موقف دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية -العلماني أيضا- لم يكن بعيدا عن هذا المنهج، فقد بدأ كلمته في جلسة البرلمان بقوله إنه "يفتخر" بأن يكون "جزءا من الشعب التركي العظيم الذي أوقف المحاولة الانقلابية".

بهجلي -الذي سبق أن اتهم في مناسبات كثيرة أردوغان وحزبه "بحماية الفساد" في البلاد، واعتبر سياسته مع إسرائيل "سياسة نفاق"- وصف المحاولة الانقلابية بأنها "جنون وقلة أدب"، وقال عن مدبريها إنهم "عصابة آثمة حاولت طعن الشعب التركي في قلبه (يقصد الديمقراطية)".

undefined

امتحان صعب
ويرى بهجلي أن خروج الشعب التركي إلى الشوارع والميادين لحماية مؤسساته الديمقراطية هو بمثابة "إلقاء بالانقلابات إلى مزبلة التاريخ"، لأنها "خيانة وإرهاب دموي قاتل وحقير" وأصحابها "لا يكنون احتراما للشعب التركي".

"مهما كانت توجهاتنا السياسية وعقيدتنا، ومهما كانت أفكارنا مختلفة، فإننا كلنا أبناء الشعب التركي وجنود لهذا الوطن، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا" يضيف بهجلي، معتبرا أن "الديمقراطية التركية مرت بامتحان صعب".

إدريس بالوكان نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) -وهو الحزب الذي طالما تبادل مع حزب أردوغان التهم بالإرهاب والدكتاتورية والاضطهاد- اعتبر بدوره المحاولة الانقلابية على حكومة أردوغان "حركة آثمة وتهديدا يستهدف الديمقراطية التركية".

وذهب بالوكان أكثر من ذلك في وصف الانقلاب بأنه "هجوم ضد الشعب"، و"مذبحة ومجزرة وحشية" تقف وراءها "عصابة تهدد ديمقراطية تركيا واستقرارها"، معلنا استعداد حزبه "للوقوف في وجه كل من يحاولون إسكات صوت الديمقراطية".

نبرة المعارضة للحكومة ولأردوغان لم تختف من كلمة بالوكان، فقد حمّله بشكل ضمني مسؤولية "الانفراد بالحكم في تركيا" و"خلق الاضطرابات والفوارق"، وشدد على أهمية حل المشكلة الكردية التي يرى هو وحزبه أنها "أم المشاكل" في البلاد.

قد يكون علمانيو تركيا شرسين في معارضتهم للحكومة والرئيس، لكن الانقلابات التي عاشوها ولا تزال غصتها في حلوقهم؛ علّمتهم أن الاختلاف يجب أن يكون شريفا، وفي إطار احترام "وقار الدولة وجديتها وقوانينها" حسب تعبير كليجدار أوغلو، وأن رحابة الديمقراطية تسع الجميع.. لقد فهموا ذلك ولسان حالهم يقول "لا نريد أن يأتي يوم نقول فيه: أكلنا يوم أكل أردوغان".

المصدر : الجزيرة