"تمر هندي".. إسكتشات ساخرة من مناطق النظام السوري

محمد كناص-غازي عنتاب

"طفي نارك يا تمر.. بلا مصافي يا تمر.. بهالحارة ماشي.. بهالحارة مارق.. بعرف مين راشي.. بعرف مين سارق.. هالكاسة دارت على الكل.. هادا وزير.. هادا أمير.. هادا فاتح.. هادا خمير.. هادا غني.. هادا فقير.."، بهذه الترنيمة يسوّق أبو جمال لعصير التمر هندي الذي يحمله باردا في ذاك الصندوق النحاسي اللماع على ظهره.

اختار أبو جمال إحدى مواقف سيارات الأجرة (السرفيس) في حارات دمشق سوقا للتمر الهندي، يأتي كل يوم لمكانه، يرش الماء ويعدل هندامه وطربوشه الأحمر، ثم يبدأ بتوزيع التمر الهندي يمنة ويسرة على الركاب.

يفرغ أبو جمال يوميا ما على ظهره من تمر هندي في بطون الزبائن، وفي الوقت ذاته يفرغ ما في جعبته من هموم أثقلت كاهله، يدورها برأسه ومع المشترين، يناقشها ويكبرها ويصغرها عله يجد في نهاية الحديث حلا لها.

أبو جمال ليس شخصية حقيقية، إنما هو شخصية كرتونية متخيلة، وليدة أفكار مجموعة من الشبان السوريين الذين احترفوا الرسم والتحريك في فضاءات رقمية، قرروا أن يقتطعوا جزءا من وقتهم لإنتاج حلقات تسمى بلغة المهنة "إسكتشات"؛ وذلك من أجل نقاش ما تعيشه بلدهم سوريا من ثورة تم جرها عنوة إلى مصير حرب أتت على كل شيء.

سليمان: حلقات "تمر هندي" تعالج مشاكل المواطن السوري والأحداث والتطورات المتلاحقة، وهي موجهة للشعب بكامله لا لشريحة أو فئة معينة

لوين رايحين؟!
يقول ديلاور سليمان مخرج حلقات "تمر هندي" إن فريق العمل متوزعون على مجموعة دول، ونتواصل في ما بيننا عن طريق وسائل التواصل بشكل أساسي.

ويضيف للجزيرة نت أن مواضيع "تمر هندي" مقسمة على ثلاثة محاور: أولها مشاكل المواطن السوري بشكل عام، ثانيها الأحداث والتطورات المتلاحقة، أما ثالثها فهي المناسبات والعطل الرسمية في سوريا. ويعتبر أن "تمر هندي" موجه للشعب السوري بكامله لا لشريحة أو فئة معينة، وهي مواضيع تهم الجميع.

واللافت في موقع التصوير الذي اختاره فريق عمل تمر هندي هو اسم موقف سيارات الأجرة: "لوين رايحين"، حيث يؤكد سليمان أنه دعوة للتفكير مجددا في ما نحن مقبلون عليه في حال بقيت الأمور على حالها وهي من أهداف العمل، كي يعرف المشاهد أنه مساهم في مستقبل بلده وأنه يجب ألا يكون متخذا موقفا حياديا في هكذا أمور مصيرية.

ويضيف: أما لماذا بائع التمر هندي؛ ببساطة هو شخصية سورية محببة ولطيفة يجتمع عنده الكثير من الناس على اختلاف توجهاتهم، فتتنوع وتتشارك المواضيع مرافقة نداءات بائع التمر هندي الجميلة.

لهجة عامية
حسام موصللي هو كاتب وصحفي ومترجم من دمشق، وأحد كُتّاب عمل تمر هندي، تعرّض للاعتقال والتعذيب عدّة مرات، قبل أن يضطر مُجبرا إلى مُغادرة دمشق باتجاه لبنان ثم إلى مصر وبعدها تركيا والآن هو في السويد.

موصللي: نعمل على اختيار الفكرة الأكثر مواكبة للحدث السوري ومستجداته، ونستخدم دراما "اللهجة البيضاء" التي توظف في صناعة الدراما السورية المعروفة

يقول خلال حديث للجزيرة نت، "نحاول دائما أن يكون في جعبتنا العديد من الأفكار، ونعمل على اختيار الفكرة الأكثر مواكبة للحدث السوري ومستجداته.. استخدمنا ما يدعى في الدراما باللهجة البيضاء، وهي اللهجة التي تُستخدم في صناعة الدراما السورية المعروفة بانتشارها، ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما عربيا أيضا".

مجريات تمر هندي بجميعها في موقف سيارات الأجرة ضمن مناطق سيطرة النظام، ويقول موصللي بشأن ذلك "كان اختيارنا لساحة عملنا هذه لعدة أسباب أبرزها: أن يوميات المناطق المحررة أو الخارجة عن سيطرة النظام تحظى بتغطية يومية مكثفة من قبل وسائل إعلام من مختلف أنحاء العالم، في المقابل، وبسبب سياسة التعتيم الإعلامي التي فرضها النظام السوري منذ بداية الثورة السورية على مناطق سيطرته، فإن لدى العديدين صورة مغلوطة عن الحياة اليومية فيها.

ويضيف أنها "الصورة التي يلفقها النظام في إعلامه المضلّل فقط، كالحفلات اليومية في دمشق وحلب، أو أولئك الناس الذين يتجولون في الأسواق دون أدنى خوف أو خطر..، بينما في المقابل على بُعد خمسة كيلومترات سنجد سوريين آخرين يموتون في كل لحظة".

المصدر : الجزيرة