الانتحار يتزايد بمصر بسبب تردي الظروف

جزيرة القرصاية، شاطيء النيل للأغنياء والباقي للسكان الأصليين.
النيل واهب الحياة لمصر صار المكان المفضل لانتحار المصريين (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

"النيل واهب الحياة"، حقيقة معروفة تاريخيا عن مصر، لكنه بات يوفر الموت للهاربين من بؤس الحياة.

كوبري قصر النيل القريب من ميدان التحرير بقلب القاهرة أصبح الوجهة المفضلة للراغبين في الانتحار. فهذه المياه الرقراقة، التي كانت تحتضن قبل قرون عروس النيل كأضحية عن جفافه في احتفالات ملحمية ليرقّ ويترقرق، باتت ساحة لملاحم الراحلين يأسا.

فالصديقان اللذان فشلا في إيجاد عمل بعد مشوار بحث طويل، تواعدا على النيل، ومشياً قليلا حتى منتصف كوبري القصر العيني، ثم ألقيا بنفسيهما متشابكي اليدين، وظل رجال الإنقاذ النهري يبحثون عن الجثتين لأيام، وفق تصريحات صحفية لمسؤول في الإدارة العامة للحماية المدنية في وزارة الداخلية، أضاف أنه "تم انتشال 103جثث منذ بداية العام الحالي".

كما يمثل الانتحار تحت عجلات القطارات وخاصة مترو الأنفاق أيضا إحدى الوجهات المفضلة للمنتحرين، حيث ألقى ثلاثة شبان أنفسهم في طريقه على مدى يومين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

من بين الحالات التي هزت مجتمع النشطاء مؤخرا، انتحار زينب المهدي التي نشطت في حملة المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح.

كما نشطت المهدي في الدفاع عن الفتيات المعتقلات عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، حيث كانت آخر كلماتها على صفحتها بموقع فيسبوك "تعبت… استهلكت… ومفيش فايدة".
 
وأقدم أب وابنتاه الجامعيتان على الانتحار بسبب حالة الفقر الشديد فأنهوا حياتهم بتناول عقار "لانجوسين" المخصص لمرضى القلب ليتخلصوا من عذاب الفقر والحاجة.

‪بجوار أسد كوبري قصر النيل يتواعد  المنتحرون لإلقاء أنفسهم في النهر‬ الجزيرة)
‪بجوار أسد كوبري قصر النيل يتواعد  المنتحرون لإلقاء أنفسهم في النهر‬ الجزيرة)

واقعي وافتراضي
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وعلى موقع فيسبوك، سجل نحو ثمانية آلاف مصري كحاضرين في حدث "انتحار جماعي كمان (بعد) أسبوع".
 
وقال منظم دعوة الانتحار الجماعي إن "هذا هو الوقت المناسب للانتحار بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر"، غير أن الحدث اختفى من صفحات فيسبوك ولم يتسن التأكد مما جرى بشأن مصير الأعضاء.

ورصدت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" حالات انتحار بسبب تردي الظروف الاقتصادية مؤخراً والتي تحولت من حوادث نادرة فردية إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها وتحليل متغيراتها.

وأوضح مدير التنسيقية عزت غنيم أنه جرى رصد نحو 65 حالة انتحار في مختلف محافظات مصر خلال عام 2016.

وقال غنيم إن ظاهرة الانتحار بدأت تستفحل في المجتمع المصري بشكل قد ينذر بكارثة، وتحتاج من الأجهزة المعنية إعادة النظر في الظاهرة وأسبابها خاصة تنامي المشاكل الاقتصادية.

كما ربط بين تزايد حالات الانتحار من جهة، وتزايد انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة لدى الفئات الأكثر فقرا والعمال والحرفيين، من جهة أخرى.
  

‪بات معتادا مرأى الجثث الطافية لمنتحرين في نهر النيل‬ (الجزيرة)
‪بات معتادا مرأى الجثث الطافية لمنتحرين في نهر النيل‬ (الجزيرة)

رمزية النيل
وعن حالات الانتحار في مياه النيل، يقول الطبيب النفسي أحمد عبد الله إن العلاقة بين المصريين والمياه "تاريخية وحميمية، فالنيل واهب الحياة، وربما يحاول المنتحرون الذهاب إلى حياة جديدة، عابرين إياه، غير عابئين بالعواقب، وهنا رمزية واضحة".

ويعتبر عبد الله الانتحار "عنفا موجها نحو الذات"، مضيفا أن العوامل الضاغطة "تتضاعف على المصري اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، ومع انحسار شبكات الدعم الاجتماعي، وتلبية الاحتياجات الأساسية، وفي ظل وفرة العنف السلطوي التي تترجم لعنف مجتمعي متبادل، يقوم الأعلى بترحيله لأسفل".

ويفسر عبد الله تحول الانتحار من كونه عملا فرديا إلى مناسبة يجتمع فيها الراغبون في الرحيل، بأن اجتماع البشر معا يمثل متنفسا لآلامهم، وهذا ما تسبب في انخفاض نسبة الانتحار عام 2011 وفق إحصائيات حينما تبادل المصريون الآلام والآمال باجتماعهم في ميدان التحرير إبان ثورة يناير.

ويرى عبد الله  أن "الهروب عبر شواطئ المتوسط باتجاه أوروبا في مراكب الهجرة غير النظامية هو انتحار بأمل الخلاص".

المصدر : الجزيرة