عائلات الموصل.. بين مطرقة المعارك وسندان المخيمات

نازحي الموصل( المصدر هو : المجلس النرويجي للاجئين)
نازحو الموصل يعانون الأمرين في ظل غياب أماكن الإيواء (ناشطون)
يوشك الشهر الأول منذ بدء معركة الموصل أن يكتمل، بينما تستمر معاناة النازحين من أهالي المدينة الذين باتوا محاصرين بين مطرقة المعارك وسندان المخيمات.

ففي قرية شهرزاد العراقية امتلأ مسجدها الصغير بنسوة نازحات مع أطفالهن الرضع، بينما نام عشرات آخرون على بطانيات رقيقة في العراء.

وتكدس خمسون شخصا في منزل مهجور تعرض للقصف على مقربة من المسجد، وغطوا غرفه بالورق لنيل بعض الخصوصية بعد يومين من هروبهم من المعارك في الموصل إلى هذه المنطقة على المشارف الشرقية للمدينة.

ويقول الجيش العراقي إن المنطقة آمنة الآن، وإنه يوزع الغذاء على الأسر النازحة، ومعظمهم جاؤوا من حي الانتصار حيث تقاتل القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية في هجوم لاستعادة السيطرة على الموصل المعقل الرئيسي الأخير للتنظيم في العراق.

وقال أحد الجنود إنه على ثقة بأن المعركة لانتزاع حي الانتصار، وهو أحد الأحياء القليلة التي دخلتها القوات العراقية بعد أسابيع من المعارك، ستنتهي قريبا بالنصر.

وأضاف "من الأفضل أن تبقى الأسر هنا بدلا من أن تذهب إلى المخيم، وبهذه الطريقة يمكنهم أن يعودوا إلى منازلهم بعد طرد الدولة الإسلامية".

لكن الكثيرين في شهرزاد قالوا إن منازلهم دمرت، وإنهم لا يريدون أن يغامروا بالاقتراب من جبهات القتال بعد أن لاذوا بالفرار. ويجذب عثمان فاضل ابنه البالغ من العمر أربعة أعوام بعيدا عن حفرة في الأرض بها قذيفة لم تنفجر. وحددت الأسر مكان الحفرة بطوبتين.

يقول فاضل "وجدنا أنفسنا محصورين وسط القصف من الجانبين، في بعض الأحيان تقصف داعش المدنيين عمدا". وتسببت انفجارات في إصابة جلال الدين ابن فاضل بشبه الصمم. وقال فاضل "إنه بحاجة للعلاج. ربما في المخيم نستطيع أن نبدأ في البحث عنه. نحن بحاجة لأن نذهب هناك".

ويضيف فاضل "يجب أن نخرج من هنا. جبهة القتال في (حي) الانتصار وليس هنا. لكن لا يزال الوضع هنا غير آمن. أوضاعنا المعيشية لا تحتمل. يوجد طعام، لكن هذا هو كل شيء.. لا توجد مساعدة طبية.. لا شيء. الأطفال بدؤوا يمرضون".

وتريد أسرة فاضل المكونة من سبعة أفراد أن تغادر المنطقة وتتجه إلى مخيم الخازر على بعد نحو ثلاثين كيلومترا إلى الشرق حيث تأمل أن تكون الأوضاع أفضل. لكنهم يربضون منذ يومين في ظل عدم وجود وسائل نقل أو مخرج.

وهذه الأسرة من بين عدد متزايد بسرعة من الناس الذين يهربون من الموصل، في حين بدأت المخيمات حول المدينة تعج بالنازحين الذين لم يعد لكثير منهم منازل يعودون إليها.

‪المفوضية الأممية للاجئين تقول إن قرابة 48 ألف شخص هربوا من منازلهم منذ بدأت معركة الموصل‬ (رويترز)
‪المفوضية الأممية للاجئين تقول إن قرابة 48 ألف شخص هربوا من منازلهم منذ بدأت معركة الموصل‬ (رويترز)

آلاف النازحين
وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن قرابة 48 ألف شخص هربوا من منازلهم منذ بدأت العملية المدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة الموصل الشهر الماضي. وتضيف أن مئات الآلاف قد يتشردون بسبب المعارك التي تتحول إلى حرب مدن طويلة الأمد ضد تنظيم الدولة.

ولا يوجد في شهرزاد نظام للصرف الصحي يعمل ويشعر الأهالي بالقلق من أن أطفالهم قد يصابون بأمراض بسبب الأوضاع المزرية.

وقالت منظمة الصحة العالمية اليوم الجمعة إن نحو 70% من النازحين الجدد يعيشون في مخيمات، وإن آلافا آخرين اختبؤوا حيثما استطاعوا مثلما هو الوضع في البيوت الخرسانية المتهالكة في شهرزاد.

وتقول الأمم المتحدة إن من المتوقع أن تزداد أعداد الهاربين وإنها توزع مؤن الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة.

وفي وقت لاحق اليوم وصلت بضع شاحنات عسكرية إلى القرية وبدأت الأسر تصعد إليها. وتقول عائشة تركي وهي تحمل ابنتها الرضيعة "الطعام الذي يوزعه الجيش معظمه أرز وخبز. هذه الطفلة بحاجة لحليب الأطفال.. إنها تعاني أيضا من البرد أثناء الليل وليس لدينا مأوى حقيقي".

وبالنسبة للموجة المقبلة من الهاربين من حي الانتصار فإن قرية شهرزاد البائسة ستكون ملاذهم ولن يعرفوا إلى متى سيبقون فيها.

المصدر : رويترز