حديثة العراقية وثلاثية السدّ والعسكر والحصار
أحمد الأنباري-بغداد
فقبل أسابيع قليلة وصلت قافلة مساعدات من متبرعين عبر جسر جوي، لكنها تعرضت لإطلاق نار من قبل تنظيم الدولة، وبقي قضاء حديثة بحاجة لدعم عسكري وإنساني، ويخشى معنيون من حدوث كارثة إنسانية بسبب الإهمال الحكومي وعدم مبالاة مؤسسات الدولة العراقية المعنية.
ويبعد قضاء حديثة 260 كيلومترا عن العاصمة العراقية بغداد، ورغم ذلك لم يلق اهتماما كبيرا لا من وسائل الإعلام ولا حتى من الحكومة العراقية، فبقي سكانه الذين يبلغ عددهم مئة ألف نسمة، يواجهون تنظيم الدولة الإسلامية ويقفون إلى جنب الحكومة ببغداد، رغم قلة السلاح والذخيرة، بالإضافة إلى غياب المساعدات الإنسانية.
عمق التاريخ
يقول المؤرخون إن تاريخ القضاء يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، لكنه أصبح الآن عبارة عن حدود ترسم وجه مأساة جديدة لسكان لا أحد يأبه لهم، سوى عدد من الناشطين المدنيين الذين وصلوا قبل أسابيع وقدموا لهم مساعدات غذائية وطبية، لكنها لم تف بالغرض حتى الآن.
ويقول الشيخ علي الجغيفي -أحد وجهاء القضاء، في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت- إن القضاء يعاني من نقص الغذاء والدواء، ولا يوجد هناك حل حقيقي لمعضلته. وطالب الحكومة العراقية بإيجاد حل مناسب لإنقاذ العوائل هناك، التي بدأت تشعر بأن لا أحد يرغب بمساعدتها.
ويضيف أن هناك رتلا من 130 سيارة تحمل مساعدات لأهالي حديثة قادمة من بغداد لم تتمكن من دخول مدينة كربلاء منذ أيام، بسبب منع السلطات دخولها، رغم وجود أمر من قائد عمليات الجزيرة والبادية وجهات حكومية أخرى، لكن سلطات كربلاء ترفض دخولها وهي عالقة الآن بين حدود كربلاء والأنبار.
ويُعرف عن القضاء الأجواء الطبيعية والمياه والأشجار والحدائق الخضراء، ويشتهر بـالنواعير القديمة التي يتوافد الناس للاستمتاع بمنظرها، لكنه لم يعد كذلك، فلا الناس تذهب إلى هناك، ولا أحد يُعيد الابتسامة إلى أطفاله، الذين يعيشون داخل البيوت، فالرصاص والقنابل تمنعهم من اللقاء ببعضهم.
ويقر حيدر مجيد -المتحدث باسم غرفة عمليات الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي- للجزيرة نت بأن المساعدات التي أُرسلت إلى قضاء حديثة مرتين متتاليتين- عبر جسر جوي- من قبل الحكومة لم تكن كافية، وذلك لحاجة الأهالي إلى المزيد منها بسبب الطوق المفروض على مدينتهم.
في مدينة حديثة الآن حصار مُدمر، فالأطفال لم يلبسوا الجديد منذ أكثر من عام، والنساء يعشن أوضاعا صعبة، خاصة الحوامل منهن، إذ لم يعدن يلدن في المستشفيات ويكتفين بإجراءات الولادة البدائية، على يد مأذونات لا يمتلكن أجهزة متطورة، ولا أدوية قادرة على معالجة أي طارئ.
تدهور الأوضاع الصحية
ويقول مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون للجزيرة نت إن "قضاء حديثة شهد خلال الشهرين الماضيين إصابة عدد من الأطفال بأمراض جلدية، وتدهور الحالة الصحية بشكل كبير لدى كبار السن من الرجال والنساء، بسبب غياب الدواء.
ويضيف أن "هناك صعوبة في إرسال المساعدات إلى القضاء بسبب الحصار المفروض عليه، ومعاناة القضاء ليست في إرسال المساعدات فقط، وإنما هناك ظًلم إعلامي له، ولا أحد يسلط الضوء على ما يعيشه السكان هناك".
مدنيون غادروا القضاء قبل أشهر طويلة للوصول إلى الأنبار ومن ثم إلى بغداد، يتحدثون عن وجود مأساة كبيرة يشهدها القضاء، من شح في المياه ونقص في الغذاء وغياب تام للدواء، بالإضافة إلى انتشار كبير في الأمراض، خاصة الجلدية ضمن صفوف الأطفال.
يذكر أن مدينة حديثة تكتسب أهميتها من مسألتين، أولهما أنها تقع بالقرب من واحد من أكبر سدود العراق على نهر الفرات هو "سد حديثة" وثانيهما، أنها بالقرب من أكبر قاعدة عسكرية جوية في غربي العراق، هي "قاعدة عين الاسد" التي تتواجد فيها القوات العراقية إضافة إلى جنود وضباط أميركيين.