الاتفاق النووي.. تنازل بطعم الفوز
الجزيرة نت
اتفاق تاريخي قد يغير الموازين في المنطقة.. هكذا تشير أغلب التحليلات وردود الفعل على "الاتفاق النووي" الذي وقعته إيران مع مجموعة "5+1" الثلاثاء في فيينا بعد جولات ماراثونية من التفاوض، سواء رحب به البعض أو عارضه آخرون.
وأعلنت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن المتفاوضين بشأن البرنامج النووي الإيراني توصلوا إلى اتفاق، مؤكدة أنه سيقدم بملاحقه إلى مجلس الأمن الدولي للتصديق عليه.
وينظم الاتفاق رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن الاتفاق ينص على الإفراج عن جزء من الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، مؤكدة أن المنشآت النووية في البلاد ستستمر في العمل، وأنه لن يتوقف أي منها أو يجري التخلص منها.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية في السعودية أنور ماجد عشقي يرى أن أميركا حققت أهدافا إستراتيجية أهم بكثير من "المكاسب التكتيكية" التي حصلت عليها إيران التي "قدمت تنازلات مؤلمة وأذعنت لإرادة المجتمع الدولي في نهاية المطاف".
وأوضح عشقي في حديث للجزيرة نت أن الأهداف الإستراتيجية تتمثل في نقل إيران من جبهة أعداء أميركا في العالم إلى صف أصدقائها، وكبح طموحها النووي عبر إخضاع مواقعها العسكرية للتفتيش.
مكاسب متبادلة
وأمام قطع الطريق نحو المشروع النووي ووضع القيود على السلاح ومنع تطوير الصواريخ البعيدة المدى، يرى عشقي أن الغرب حدّ من شهية إيران للقوة وحوّلها إلى جزء من المجتمع الدولي، وعليها التساوق مع رؤيته في الشرق الأوسط.
ووفق عشقي فإن هذا التساوق هو وحده الكفيل بفك عزلة إيران في المنطقة، وإلا ستبقى خصما للدول العربية المتوحدة في إطار عاصفة الحزم والرافضة لأجندة طهران في الشرق الأوسط.
وعن هذا الموقف، قال مسؤول سعودي لوكالة رويترز إن إيران زعزعت استقرار المنطقة كلها بأنشطتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ورأى أن الشرق الأوسط سيصبح أكثر خطورة إذا قدّم الاتفاق الجديد تنازلات لإيران.
ووفق عشقي، فإن الغرب هو الرابح الأكبر من التوصل إلى تسوية مع طهران، لكن الأخيرة كسبت بدخولها النادي النووي السلمي وقبولها شريكا اقتصاديا وسياسيا للمجتمع الدولي.
وما دامت إيران فرضت نفسها بقوة في الشرق الأوسط وهي تخضع لحصار مرير، فإن مراقبين يتوقعون تمدد نفوذها إلى ساحات أرحب بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
لكن عشقي يرفض هذا الطرح بحكم أن الضغط الذي تواجهه إيران من الداخل أقوى من ذلك المسلط عليها من الخارج، مما يعني أن الهدف من الاتفاق أساسا هو تطمين الشعب، ولن يمكّن طهران من تحقيق المزيد من الحضور في المنطقة.
لاعب دولي
ومع إقراره بوجود الضغط الداخلي، يرى الخبير في العلاقات الدولية كامل وزنة أن الاتفاق يكرس واقع أن إيران لاعب دولي في المنطقة وأن أميركا تريد إشراكها في وضع الحلول للمشاكل المستعصية.
ومن الوراد ألا يلقى هذا الاتفاق تشجيعا من الدول العربية، لكنه في النهاية خطوة على الطريق الصحيح، وفق وزنة الذي شدد على ضرورة تفاوض طهران والعواصم العربية بشكل مباشر حتى يوضح كل طرف مخاوفه من الآخر.
وخلافا لما ذهب إليه بعض الكتاب من تضخيم وتعظيم مصائب العرب، يرى وزنة في حديث للجزيرة نت أن الاتفاق لا يخلو من توازن، فبقدر ما يعطي إيران مساحات تحرك أكبر، يدفعها للمشاركة في تسوية الصراعات عندما تبدأ مفاوضات حقيقية من شأنها أن تقود إلى تفاهمات.
وبحسب هذا التوازن، يبقى الحديث عن تخلي واشنطن عن أهم حلفائها العرب ليس سوى فهم سقيم، وفق وزنة الذي نبه إلى أن أميركا ما تزال تحظر تصدير السلاح لإيران في حين تشحنه إلى دول الخليج بكميات هائلة وبدون تحفظ.
يهدف الاتفاق إلى الحد من النشاط النووي الإيراني مقابل التعليق التدريجي للعقوبات التي أضرت بصادرات طهران النفطية وكبلت اقتصادها |
أمن ومصالح
ويفرق وزنة بين الالتزام بأمن دول الخليج والدفاع عن رؤيتها لقضايا المنطقة، فبينما يظل الشق الأول عقيدة ثابتة لدى واشنطن فإن الثاني يمكن أن تطاله تغييرات بعد التوافق مع إيران والنظر إليها كشريك سياسي يساعد على حل القضايا المستعصية في المنطقة.
لكن واشنطن ليست في عجلة من أمرها أصلا لتسوية الصراع في سوريا والعراق وليبيا، حيث ما تزال مصالحها في مأمن من الخطر بحكم أنها ما تزال تحصل على نفط المنطقة بشكل سلس، وفق تصوره.
وبموجب الاتفاق النووي، فإن حظر تصدير الأسلحة لإيران الذي تفرضه الأمم المتحدة سيستمر خمس سنوات، بينما سيستمر الحظر على الصواريخ ثماني سنوات.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد في خطاب مباشر عقب الإعلان عن الاتفاق أن العقوبات سترفع تدريجيا بشكل طردي مع التزام إيران بالبنود المتفق عليها، وتعهد باستخدام حق النقض ضد أي محاولة في الكونغرس لوقف تمرير الاتفاق.
لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال إن الاتفاق فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة تقوم على الحوار لحل الأزمات.
ورحب النظام السوري بالاتفاق، وقال الرئيس بشار الأسد إنه بمثابة "نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم". لكن الاتفاق يلقى رفضا إسرائيليا عريضا، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "خطأ تاريخي".
يشار إلى أن طموحات إيران النووية تعود إلى يوم 5 مارس/آذار 1957 عندما أعلن الشاه محمد رضا بهلوي عن البدء في بناء مشروع للبحوث والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. ووفق معلومات، فإن إيران تمتلك عدة منشآت نووية بينها ستة مفاعلات، وتشغل 18 ألف جهاز طرد مركزي.