في دير الزور.. طفلات لكن زوجات

تنظيم الدولة يغلق المدارس بدير الزور
الحرب وما خلفته من فقر وخوف دفعت بكثير من الأسر لإخراج بناتها من التعليم وتزويجهن (الجزيرة)

ياسر العيسى-دير الزور

لم تكن المفاجأة الوحيدة في قصة زواج طفلة سورية بحي الحميدية في مدينة دير الزور السورية تبلغ من العمر 12 عاما، في زواجها بهذه السن الصغيرة فقط، بل في تأكيدها أنها مقتنعة بهذا الزواج.

فالطفلة -التي فضلت عدم ذكر اسمها- قالت إن أمها مطلقة وإنها تعيش مع والدها وأخويها في منزل جدها، وبررت اقتناعها بهذا الزواج بالمشاكل المادية التي تعيشها في بيت جدها، والتي جعلتها "محرومة من كل شيء"، بحسب تعبيرها.

وتضيف إلى الأسباب ما قالت إنه سوء معاملة عماتها لها، وذكرت في هذا السياق أن قرار الزواج اتخذه والدها دون استشارتها، رغم اعتراض خالتها، بل عدد من أقاربه أيضا. أما عن موقف والدتها فأكدتها أنها نازحة في الرقة، وبسبب غياب الاتصالات فقد تعذر إخبارها.

في إحدى حارات حي الشيخ ياسين، تنتهز فتاة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها فرصة زيارتها لأهلها من أجل اللعب مع بنات جيرانها، وحجتها أنها تساعدهم على ترتيب غرفتهم، في دليل على رغبتها ممارسة طفولتها رغم زواجها منذ نحو ستة أشهر

طفلة أخرى
حالة زواج طفلة أخرى في حي الحميدية أيضا تعرفت الجزيرة نت على بعض تفاصيلها من أحد جيرانها بعد إحجام أهلها عن الإدلاء بأية معلومة، ويقول فيها إن الفتاة لم تتجاوز 14 عاما، حيث أعدم والدها في أحد سجون النظام السوري منذ عامين، لتقوم والدتها بتزويجها منذ نحو عام برجل مطلق، دون أية مراسم عرس أو فرح، فقط إجراءات كتابة العقد، والآن الفتاة تحمل طفلها الأول منذ شهر ونصف الشهر تقريبا.

وحالة أخرى وافق فيها الوالد على التحدث للجزيرة نت عن تجربة زواج ابنته، فبرر هذا الزواج بـ"الخوف من المجهول" وحالة عدم الاستقرار والفقر الذي تعيشه أسرته، لكنه نبّه إلى أنه أراد "مصلحة ابنته" بهذه الخطوة.

معتبرا أن "الرجل الذي لديه المال، قادر طبعا على توفير السعادة لابنتي أكثر مني، بل حمايتها وصيانة كرامتها".

وفي إجابة على سؤال ما إن كانت ابنته سعيدة، قال "هذا السؤال أقوم بطرحه على ابنتي منذ شهور، إلا أنها تصمت رافضة الإجابة على سؤالي، وهو ما يثير حزني وقلقي في الوقت ذاته".

فرصة للطفولة
من جهته، يؤكد الناشط أحمد الفراتي -وهو مهتم بالجانب الاجتماعي من تأثيرات الحرب- للجزيرة نت انتشار ظاهرة زواج الأطفال غير المعهودة أبدا في دير الزور.

في إحدى حارات حي الشيخ ياسين، تنتهز فتاة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها فرصة زيارتها لأهلها من أجل اللعب مع بنات جيرانها، وحجتها أنها تساعدهم على ترتيب غرفتهم، في دليل على رغبتها ممارسة طفولتها رغم زواجها منذ نحو ستة أشهر.

فتاة أخرى تبلغ من العمر 14 عاما في الحي ذاته أطلق عليها لقب "أرملة"، بعد مقتل زوجها المنتسب للجيش الحر في إحدى المعارك منذ نحو ثمانية أشهر.

يقول أحد أقارب زوجها للجزيرة نت "الفتاة بحسب علمي طلبها للزواج مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية منذ أسابيع، إلا أن والدها رفض تزويجها بحجة الخشية من أن تترمل ابنته مرة أخرى".

وأضاف "أعتقد أن السبب ليس ذلك فحسب، بل هو رفض أهالي المدينة تزويج بناتهم لمقاتلي التنظيم، خاصة إن كان من غير أبناء المدينة".

‪بعض الأهالي يبررون تزويج بناتهم بالبحث عن حياة أفضل لهن‬  (الجزيرة نت)
‪بعض الأهالي يبررون تزويج بناتهم بالبحث عن حياة أفضل لهن‬  (الجزيرة نت)

الفقر والخوف
أبو الحارث الشامي عضو هيئة شرعية سابق، أكد وجود هذه الظاهرة في دير الزور، مؤكدا أنه "لا مانع من زواج الفتاة في سن مبكرة جدا إن كان باستطاعتها تحمل مسؤولية البيت"، إلا أنه استطرد قائلا "لكن إن كانت الفتاة تحمل عقل طفلة، كما هو حال الكثير من الفتيات حاليا، فإن ذلك سيكون له تداعيات سلبية، وهو ما شهدناه في عملنا عبر ورود الكثير من حالات الخلع والطلاق، بسبب صغر سن الزوج والزوجة، ومحاولة كل منهما فرض شخصيته على الآخر".

أما عن الأسباب، فبين الشامي -في حديث للجزيرة نت- أن من أهمها الفقر وخشية انحراف البنات في هذه السن، جراء ضعف الرقابة الناتجة عن النزوح والأوضاع المعيشية والأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد.

وتؤيد الأخصائية النفسية آية مهنا القول بأن الفقر هو السبب الأول لتلك الظاهرة، إلا أنها أكدت أن هناك أسبابا أخرى، من بينها الجهل ومفهوم "السترة" المتعلق بحماية الفتاة عبر هذا الزواج.

ورأت مهنا أن "التأثيرات السلبية كثيرة في هذا المجال، لأن الفتاة هنا غير مؤهلة لتحمل مسؤولية الزواج، لأنها في طور التنمية العقلية والجسدية، ناهيك عن الأخطار الصحية التي يمكن أن تتعرض لها جراء الحمل وتربية الأولاد وغيرهما، مما يجعل الخطر يتعداها ليشمل أولادها وأسرتها فيما بعد".

المصدر : الجزيرة