لبنان بلا رئيس.. تشابك السياسة والدستور

مغادرة الرئيس سليمان قصر بعبدا مع انتهاء ولايته في 25 أيار 2014
ولاية الرئيس سليمان انتهت في 25 مايو/أيار 2014 (الجزيرة)
أحمد السباعي
 
تتشابك السياسة اللبنانية ويتعقد مشهدها لدرجة أن اللبنانيين ينامون على حلول وتسويات، ويصحون على عقبات وإجهاضات، واللافت أن هذا البلد يعيش منذ 25 مايو/أيار 2014 فراغا رئاسيا بعد إرجاء البرلمان للمرة الـ33 جلسة انتخاب رئيس جديد.
 
ولم يكتمل منذ الجلسة الأولى في أبريل/نيسان 2014 (قبل شهر من انقضاء ولاية الرئيس ميشال سليمان) نصاب الثلثين (86 نائبا من أصل 128) المطلوب لإتمام عملية الانتخاب، ويخاف اللبنانيون الذين لم يعودوا يحفظون مواعيد الجلسات ولا يبالون بمجرياتها من أن يكون مصير الجلسة الـ34 كسابقاتها.

ولكن يبقى السؤال: كيف يسير لبنان بلا رأس؟ وهل وجود الرئيس وعدمه "سيان"؟ هل هو منصب فخري؟ ما هي صلاحياته؟

وتحكم المحاصّة الطائفية النظام السياسي اللبناني القاضي بتوزيع السلطات بين الطوائف:
  • رئاسة الدولة لمسيحي ماروني
  • رئاسة الحكومة لمسلم سني
  • رئاسة البرلمان لمسلم شيعي.

ولا يقتصر الأمر على هذه المناصب، فقد امتد نظام المحاصّة الطائفية ليحدد هوية شاغلي المناصب الحكومية والإدارية والعسكرية.

نظام ناجح
وعلى الرغم من هشاشة هذا النظام وتعرضه لعدة هزات فإن خبراء يرون أن تعدد الطوائف وتقاسم السلطات في دولة مدنية يجعلان النظام ناجحا في إدارة التعدد، بعكس بعض الدول العربية التي تفشل في إدارته.

ويتابع الخبراء أن الديمقراطية تمارس في لبنان باعتبارها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، إذ تهدف للحفاظ على الطوائف المختلفة التي يبلغ عددها 18.

في المقابل، يرى آخرون أن لبنان يعيش خارج أي نظام، لأن الطبقة السياسية تتكون من أمراء الطوائف وزعماء الحرب الأهلية، ولهذا فإن السياسة أكبر من الدستور، فإذا اتفقوا على توزيع الحصص "تستقر البلاد" وإذا اختلفوا "تنفجر".

ويدلل هؤلاء بأنه على الرغم من الحرب السورية ومئات آلاف اللاجئين الذين تدفقوا إلى لبنان وغياب الرئيس لـ19 شهرا، ومشاركة حزب الله في القتال بسوريا، والتفجيرات التي استهدفت مناطق محسوبة على الطائفتين السنية والشيعية فإن البلاد تعيش شبه استقرار أمني واقتصادي واجتماعي.

وحتى أبواب البرلمان التي أغلقت لسنوات افتتحت الشهر الماضي بسحر ساحر وتسوية بين الأفرقاء، وأقرت فيها مشاريع مالية واقتصادية واتفاقات دولية، وقانون استعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين.

وعندما غاب الاتفاق شهدت مدينة طرابلس (شمال لبنان) نحو عشرين جولة قتال بين منطقتي باب التبانية وجبل محسن إضافة إلى أحداث السابع من مايو/أيار التي أوصلت البلاد لقاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية قبل أن تتدخل التسوية من جديد وينتخب ميشال سليمان "رئيسا توافقيا" في مؤتمر الدوحة.

رئيس شرفي
وإزاء كل ما تقدم يظهر أن وجود الرئيس وعدمه لا يقدمان ولا يؤخران في المشهد السياسي اللبناني، فتعديلات اتفاق الطائف جردت الرئيس من صلاحياته الأساسية وأناطتها بمجلس الوزراء ورئيس الحكومة.

وتحول المنصب الوحيد للمسيحيين في الشرق شرفيا، وصلاحياته أقل من صلاحيات وزير بالحكومة الذي يمكنه أن يوقف أي مرسوم يتعارض مع رأيه، بينما إذا رد الرئيس قانونا وأصر عليه يصبح نافذا بعد مرور أربعين يوما.

وفي اجتماعات الحكومة مثلا لم يعد لدى الرئيس سلطة مقيدة فحسب، بل لم يعد موجودا كونه يحضر ولا يصوت، ولا يعد جدول الأعمال بل يطلع عليه، ولا يقرر اسم رئيس حكومة، ولا يمكنه حتى أن يسمي الوزراء، فهؤلاء يسميهم زعماء الطوائف السياسيون الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين شرعيين عن الطوائف.

أما أبرز الصلاحيات التي يملكها فهي:

  • مرسوم تسمية رئيس الوزراء المكلف "منفردا" استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة
  • مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الوزراء
  • مراسيم قبول استقالة الحكومة والوزراء أو اعتبارها مستقيلة.
  • صلاحيات شرفية وبروتوكولية

وللمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) يشغر منصب الرئاسة لهذه المدة، لكن التركيبة اللبنانية تجعل من الصعب جدا إيجاد المرشح المثالي لشغل المنصب، ويقر النواب اللبنانيون أنفسهم بانتظار "كلمة السر" من الخارج.

هذه "الكلمة" التي أتت مطلع الشهر الجاري -على ما يبدو- أفضت إلى ترشيح رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أحد أقطاب خصمه السياسي "قوى الثامن من آذار" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، غير أنها تصطدم بالتركيبة اللبنانية ذاتها، حيث باتت أسيرة الرفض والتحفظ من حلفاء الحريري وفرنجية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات