حرب السكاكين.. انتصار الفلسطيني لمقدساته

عوض الرجوب-الخليل

كان آخر ما كتبه الشهيد مهند حلبي -منفذ عملية الطعن في القدس المحتلة السبت الماضي والتي أدت إلى استشهاده ومقتل مستوطنين اثنين وإصابة ثلاثة آخرين- أنه لا أحد يرضى بما يجري للأقصى والمقدسات ونساء الأقصى، وأنه عندما "يُشهر السلاح في وجهك يكون لديك كامل الحق في الدفاع عن نفسك"، كما ورد في حسابه على فيسبوك.

كلمات حلبي (19عاما) وهو من بلدة سردا، شمال رام الله، تعطي انطباعا بدوافع كثير من الفلسطينيين لتنفيذ عمليات فردية ضد الاحتلال، وهي ظاهرة انتشرت بشكل واسع منذ عام، وشهد يوم أمس وحده تسعا منها بين محاولة دهس وطعن.

جنود الاحتلال والمستوطنون يواجهون حرب السكاكين في أي مكان بفلسطين (الجزيرة)
جنود الاحتلال والمستوطنون يواجهون حرب السكاكين في أي مكان بفلسطين (الجزيرة)

عجز الفصائل
في سياق تحليل دافع هذه العمليات ومدى تأثيرها، يقول الخبير العسكري واللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي إن عجز الفصائل الفلسطينية، لأسباب مختلفة، عن الاقتصاص من القتلة والرد على مجزرة عائلة دوابشة واقتحامات الأقصى، شكلت دافعا رئيسيا لجيل الشباب المتحمس لاتخاذ زمام المبادرة.

وأضاف متحدثا للجزيرة نت أنه "لم يعد مستبعدا أن يُقدم شبان في مقتبل العمر على تنفيذ عمليات انتقاما لأصدقائهم أو أقاربهم". مشيرا إلى أن الإيجابيات تفوق السلبيات في هذا الشكل من المقاومة.

وأوضح أن أهم رسالة لهذا النوع من العمليات أن الفصائل فقدت مفعولها، ولم تعد قادرة على قيادة وتحريك الشارع "ليحل الاقتصاص مكان المقاومة". مضيفا أن هناك من فقد الثقة بالجميع ومستعد للموت في سبيل الاقتصاص. مستشهدا بأقوال بعض المنفذين قبل استشهادهم.

أما عن السلبيات فقال الشرقاوي إن "هذا النوع من العمليات قد يكون مبررا جاهزا للمستوطنين والجيش لقتل أي فلسطيني بحجة حيازة سكين، فضلا عن عدم إمكانية السيطرة عليها أو توظيفها سياسيا".

من جهته، يرى مدير مركز دراسات الأسرى التابع لجامعة القدس فهد الحاج، أن العامل الانتقامي هو الدافع الأول للعمليات الفردية ضد الاحتلال والمستوطنين، موضحا أن تصرفات المستوطنين والجنود من حواجز واستخفاف واستهتار بالفلسطينيين وأرواحهم تدفع لردات فعل انتقامية.

وقال الحاج للجزيرة نت إن سلوك الاحتلال ضد المسجد الأقصى ونساء القدس وعمليات الحرق والقتل اليومية في غياب حراك فصائلي أمر "ولد شعورا داخليا بالغضب لدى الإنسان الفلسطيني ودافعا للانتقام".

في الجانب الآخر، يقول مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية علاء الريماوي، إن العمليات الفردية تشكل تحديا حقيقيا للاحتلال الإسرائيلي ومؤسسته الأمنية التي طالما حذر منها وأقرت بعجزها عن مواجهتها.

وأوضح أنه مقابل إمكانية وصول الأجهزة الأمنية للمجموعات العسكرية قبل تنفيذ عملياتها، فإنها تعجز عندما يكون القرار والتنفيذ فرديا "لاختلاف تركيبة الحدث الأمني في الحالتين".

شباب في مقتبل العمر يقوم بعمليات فردية انتقاما للمقدسات ودماء الفلسطينيين(الجزيرة)
شباب في مقتبل العمر يقوم بعمليات فردية انتقاما للمقدسات ودماء الفلسطينيين(الجزيرة)

دفاع فردي
ويضيف الريماوي للجزيرة نت أن أجهزة الأمن تصطدم في العمليات الفردية بشخص يتخذ أولا قرارا في رأسه بتنفيذ حدث ما، وثانيا تكوين صورة لهذا الحدث، وثالثا امتلاك أدواته، ورابعا الوصول للمكان دون اتصال خارجي، وأخيرا التنفيذ الذي قد ينتهي بالشهادة أو الاعتقال.

ويوضح الريماوي أن امتلاك أدوات الدفاع عن الذات، جعلت الفلسطيني مخولا للدفاع عن ذاته بشكل فردي "فمثلا عندما رأى المسجد الأقصى متروكا عربيا وإسلاميا قرر أن يغضب لذاته ويخوض المعركة وحده ويتحرك لنصرة الأقصى".

وعن تعامل الاحتلال مع هذا النوع من العمليات، قال إن الاحتلال كثف متابعة حسابات الفيسبوك والاتصالات الهاتفية ووسائل الإعلام والمساحات المجتمعية، في محاولة منه للاستدلال على التوجهات العامة، ومن ثم تحول المشتبه بهم إلى التحقيق والاعتقال الإداري.

لكن الريماوي يشير إلى إقرار الاحتلال بعجزه عن مراقبة أكثر من أربعة ملايين فلسطيني، ويستبعد نجاح الاحتلال في هذا النموذج من الملاحقة "لأن أدواته ظنية، والظن لا يوصل للهدف". موضحا أنه ليس كل من يقول ينفذ، إنما الصامتون عادة هم الذين يفعلون.

وخلص إلى أن المنظومة الأمنية تتعقد أمام هذه الظاهرة ولا تجد شكلا للتعاطي معها، مستشهدا بتسع عمليات في يوم واحد دون إنذار مسبق.

المصدر : الجزيرة