عراقيون في محنة النزوح.. رحلة البحث عن ظل ومأوى

من مخيمات النازحين بين نينوى وأربيل
مخيم الخازر يقع في منطقة جرداء حيث ترتفع الحرارة وتكثر العواصف الترابية (الجزيرة نت)

لقاء مكي-أربيل

يشعر أبو جنات بالامتنان لأن له خيمة تؤويه مع أطفاله، فرغم أنه ترك وراءه في تكريت بيته وأمواله ومطعمه الشهير الذي يعرفه أهل المدينة، فإنه ما زال أحسن حالا من كثيرين يقيمون في العراء، ولا يجدون حتى خيمة توفر لهم الظل الذي صار عزيزا على العراقيين في نزوحهم الجديد.

في مخيم الخازر الواقع على المعبر الفاصل بين أربيل ونينوى، تتكرر كل ساعة هذه المفارقة، فالمقيمون في المخيم يجدون أنفسهم محظوظين، مقارنة بمئات العوائل التي تصل المعبر كل يوم هاربة من المعارك وقصف الطائرات الذي بشرت به سلطات بغداد، قبل أن تصطدم برفض السلطات دخولهم إلى أربيل، فيبقون عالقين على المعبر وسط حر شديد وافتقار لكل شيء، بينما يغص المخيم القريب بالساكنين ولا يتسع للمزيد.

‪أبو علي في نزوحه الثاني من مخيمات النازحين بين نينوى وأربيل‬ (الجزيرة نت)
‪أبو علي في نزوحه الثاني من مخيمات النازحين بين نينوى وأربيل‬ (الجزيرة نت)

ازدحام ومعاناة
يقول أبو علي -أحد العالقين في المعبر- إنه لا يريد النزوح إلى أربيل بل عبورها فقط باتجاه بغداد، ومع ذلك فسلطات المعبر ترفض دخوله، وكان هذا حال كثيرين غيره.

ويقول أحد الجنود، وهو يطلب من العالقين ترك المكان والدخول إلى المخيم، إن أربيل باتت مزدحمة بالنازحين منذ بدء المعارك قبل نحو شهر، مشيرا إلى أن لديه أوامر بمنع دخول من لا يمتلك "رخصة إقامة" في المدينة، لكنه كان يصر على أنه يتفهم معاناة الناس، وليس لديه ما يقدمه لهم سوى نصحهم باللجوء للمخيم.

قصص العالقين مختلفة، كما هي دياناتهم وطوائفهم وعرقياتهم، حيث نلحظ تنوع أزياء الناس ولغاتهم ولهجاتهم، إذ لجؤوا من مناطق شديدة التنوع في نينوى وصلاح الدين، وجميعهم ينشدون الأمان في مكان يؤويهم بكرامة.

يقول أبو علي إنه نزح مع جميع سكان مدينة القبة بنينوى منذ بدء المعارك إلى سنجار حيث استقبلهم الناس بترحاب وكرم، لكن ضيافتهم هناك طالت، فقرروا النزوح باتجاه بغداد ومدن الجنوب، قبل أن يعلقوا على المعبر.

أما النازح محمد باسم فله قصة مختلفة، إذ نزح مع عائلته من مدينة الحضر بنينوى بعد بدء القصف الجوي، ويقول إن القصف أودى بحياة الكثير من المدنيين، مؤكدا أن المدينة صغيرة وسيكون البقاء فيها أشبه بالانتحار.

ولم يكن باسم يهتم بدخول أربيل إذ يفضل البقاء في المخيم، وقد تركناه وهو يواصل مع شقيقه البحث عن خيمة، بينما تشارك عائلته عائلة أخرى في خيمتها.

‪معظم النازحين اضطروا للنزوح دون أن يحملوا أغراضهم الشخصية‬ (الجزيرة نت)
‪معظم النازحين اضطروا للنزوح دون أن يحملوا أغراضهم الشخصية‬ (الجزيرة نت)

تكيف صعب
وبالتدريج يتحول مخيم الخازر إلى موطن مؤقت لآلاف النازحين، حيث يكيف النازحون أوضاعهم ويتعايشون مع واقع صعب لا يعرفون شيئا عن مستقبله. ورغم ظروف الجو القاسية للغاية في منطقة جرداء، فإن الانشغال بالهموم اليومية من توفير الماء والطعام وتأمين الكهرباء يشغل سكان المخيم، ويحولهم بالتدريج لمجتمع جديد توحده المأساة.

وليس للمنظمات الدولية وجود في مخيم الخازر، ولم نجد غير منظمة كردية محلية واحدة هي مؤسسة بارزان الخيرية التي تتولى -حسب رضوان يونس، وهو أحد العاملين فيها- توزيع معونات من الطعام والملابس والفراش وبعض المستلزمات، لا سيما أن معظم النازحين وصلوا المخيم فارين بأنفسهم بلا مستلزمات شخصية.

ويضيف يونس أن مؤسسته تعتمد على التبرعات التي يقدمها أشخاص، مشيرا إلى أن المؤسسة الدولية الوحيدة التي تقدم عونا للنازحين من خلالهم هي المنظمة الدولية لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، ويقول إن مؤسسة بارزان أصبحت تتولى أيضا إدارة المخيم بعد أن استقال المدير احتجاجا على نقص الخدمات.

وبينما كان موظف الإغاثة يشرح مهمته، دخل غرفته مجموعة من القادمين الجدد يسألون عن خيم تصلح لإقامة عائلاتهم، لكن الموظف لم تكن لديه حلول سريعة فخرجنا لنجد طوابير من العائلات تسير باتجاه المخيم.

وكان هؤلاء -وجلهم من النساء والأطفال- قد أعياهم الانتظار والعطش والجوع، وأصابهم اليأس من البقاء عالقين عند المعبر تحت لهيب الشمس والعواصف الترابية، بينما كان سكان المخيم يراقبون القادمين الجدد، ولسان حال كل واحد منهم يقول: الحمد لله أن لدي خيمة وظلا.

المصدر : الجزيرة