في البحث عن الحق

برومو.. تحت المجهر - جميع الحقوق محفوظة
صورة من برنامج حلقة الملكية الفكرية (الجزيرة)

عزة سلطان

ذات مساء كانت تشغلني فكرة السرقات الأدبية، وبدأت أبحث فيها وكان ذلك بمساعدة صديق قديم، وفي لقاء مع فريق تحت المجهر عرضت الفكرة فتناقشنا وأضاف النقاش لها وطورنا الفكرة فشملت السرقات العلمية والفنية.

استعنت بصديقي كباحث رئيسي، وباحث آخر طمعا في أن تكون هناك وجهات نظر أخرى.

تلك هي المشكلة!
أن تعمل مع فريق واعٍ يتمكن من مهارات البحث، دربته قواعد العمل على التحري، وأدرك خبايا العمل الوثائقي، أمر بالغ الصعوبة، ذلك أن دقة فريق تحت المجهر ووعيه أجبرانا على الجدية، وفتحا آفاقا معرفية بالنسبة لي وللفريق.

تطور الملف البحثي أكثر من مرة، واتخذ أكثر من منحى، انتاب الملل فريق البحث، وبدأ دوري في التشجيع، كنت أقول لهم إن الفريق -الذي يتمكن من عمل فيلم مع تحت المجهر- تُكتب له سابقة نجاح وخبرة تضاف إلى رصيده، ومع كل مرحلة في تطور الملف البحثي ينفلت العقد، فبدأت أعمل في البحث، وأخذت ألتقي بالعديد من الشخصيات المؤثرة في مجال حقوق الملكية الفكرية، وبت أذهب إلى القرية الذكية حيث يوجد مكتب الملكية الفكرية التابع لهيئة التنمية التكنولوجية.

الزيارات المتعددة لهذا المكتب لم تطور من مهاراتي البحثية فقط، لكنها أيضا كسرت حاجز الخوف داخلي في قيادة المسافات الطويلة والخروج خارج القاهرة، ولم يقتصر الأمر على زيارات للتعرف على عمل المكتب والاطلاع على القضايا، وإنما بت والفريق البحثي نشارك في حضور الـ"سيمنارات" والمؤتمرات حول الملكية الفكرية.

حماسي ودأبي على البحث أثارا الفريق البحثي فعاد للتعاون المثمر والبناء حتى تمكنا من إعداد ملف بحثي ينال رضا أعضاء فريق تحت المجهر، وكانت له دوما إضافات، ثم انتقلنا لمرحلة التصوير.

ليست مبالغة أن أقول إنه صارت بيني وبين كل ضيوف الفيلم علاقات صداقة نشأت في اللقاءات المتعددة في رحلة إقناعهم بالتصوير، فكانت مرحلة التصوير أشبه بلقاءات بيني وبين أصدقائي، وكان المخرج المنفذ مندهشا من علاقاتي بكل الضيوف، هذه العلاقات التي أشاعت أجواء البهجة على التصوير، وجعلت الضيوف لا يهابون الكاميرا، بل إن أحد الضيوف كان متابعا، وحين عرف أن المقابلة التي أجراها قد تعتريها بعض المشكلات التقنية عرض مرحبا أن يعيد تصوير مقابلته.

 أجرينا التصوير داخل مصر في حالة من المودة والصداقة التي شاعت بين كل أعضاء الفريق، وكان التواصل مع فريق التصوير بالمغرب دائما، حتى انتهت هذه المرحلة.

انتقلنا لمرحلة المونتاج، مرت الأيام طويلة دون أن أرى بحكم موقعي كمنتجة فنية ما يسعدني أو انحاز له، الوقت يمر، وهناك فريق تغالبه الدقة والمهنية، ولا يقبل الاعتذارات الواهية، ومن ثم كان قرارا حاسما بمضاعفة ساعات العمل، وكان ذلك لا يناسب الظروف العائلية للمخرج المنفذ، فأضفت لنفسي عبئا جديدا هو أن أدخل المونتاج لأقوم بعمل الفيلم.

كانت ساعات العمل يسيطر عليها الليل والبرد بشكل مدهش، كما أن المكتب يقع على النيل، فبينما يخلب النيل نظري تفتك البرودة بساقي، لكن بدأت تتضح معالم الفيلم شيئا فشيئا، وبدأت ابتساماتنا تتسع، وكلما أجدنا "المونتير" وأنا صناعة مشهد كنا نفرح ونتفاءل، ويزداد حماسنا.

لم يكن الفيلم مجرد عمل فني نصنعه، ولكنه كان بمثابة دورة تدريبية في حقوق الملكية الفكرية، استطعنا من خلاله التعرف على قوانين الملكية الفكرية، وتمكن كل فرد في الفريق من تطوير مهارات في العمل ومهارات شخصية، لا شك أن طول فترة العمل أرهقنا، والملاحظات التي كانت تأتينا في مراحل مختلفة كانت تضايقنا في بادئ الأمر لأنها تنبئ عن مرحلة أخرى في العمل، لكن عند تنفيذها كنا نجد الفيلم قد اتخذ شكلا أفضل، وصار أكثر قوة.

في مرحلة النسخ، جلست مع "المونتير" نشاهد الفيلم، ونبتسم ونحن سعداء بأننا أنجزنا هذا العمل، نحن نشعر بأننا لن نقدم للمشاهد فيلما وثائقيا فحسب بل سنقدم له دورة تدريبية مكثفة في حقوق الملكية الفكرية، الفيلم يقدم معرفة في كبسولة كما يسمونها، استطعنا من خلال الفيلم أن نعطي بعض الحق لهؤلاء الذين تمت سرقتهم ورغم ذلك لم يتم تعوضيهم أدبيا.

جميع الحقوق محفوظة، ليس مجرد فيلم، بل جرعة من المعرفة التي تنير الطريق.

المصدر : الجزيرة