لغة موليير بأفغانستان.. تاريخ بعيد وإشعاع محدود

مدرسة استقلال رأت النور عام 1921 وتعلمت بها شخصيات أفغانية بارزة
مدرسة استقلال رأت النور عام 1921 وتعلمت بها شخصيات أفغانية بارزة (الجزيرة نت)

المحفوظ الكرطيط-كابل

قبل ست سنوات فوجئ الكثيرون في الساحة الثقافية والأدبية الفرنسية بمنح جائزة غونكور، وهي أرفع جائزة أدبية في البلاد للكاتب عتيق رحيمي القادم من أفغانستان التي اختزلتها وسائل الإعلام الدولية في صور نمطية جعلتها مرادفا للعنف والاقتتال والتطرف.

بفوز رحيمي بتلك الجائزة عام 2008، بعد أن فاز بها الكاتب المغربي الطاهر بن جلون (1987) والروائي اللبناني أمين معلوف (1993)، لم يعد من باب الاستغراب التساؤل عن إشعاع لغة موليير في ذلك البلد البعيد الذي تعادل مساحته تقريبا مساحة فرنسا.

الساعي لجواب ملموس، سيكتشف السر في وسط العاصمة كابل متاخما للقصر الرئاسي، فمدرسة استقلال (بنين) ومدرسة ملالاي (بنات) اللتان رأتا النور مطلع عشرينيات القرن الماضي لا تزالان عنوانا بارزا لحضور اللغة الفرنسية في أفغانستان.

لم تكن المدرستان ثمرة لاستعمار أو احتلال أو حسابات إستراتيجية ولكن انعكاسا لرغبة الأسرة المالكة التي بقيت ترعى تلك المؤسستين إلى أن أطيح بآخر ملك للبلاد عام 1973.

مكانة رمزية
زارت الجزيرة نت مدرسة "استقلال" حيث يتعلم نحو 5000 طالب من الابتدائي إلى الثانوية العامة، واستقبلتها إدارة المؤسسة وردت على بعض أسئلتها، لكنها اعتذرت بلباقة عن السماح بالتصوير في ساحة المدرسة، لأن الأمر يحتاج لتصريح من رئاسة الجمهورية، بينما يتطلب التصوير داخل الفصول موافقة وزارة التعليم.

وتعكس تلك الإجراءات الأمنية المشددة المكانة الرمزية لهذه المؤسسة في المشهد التعليمي والثقافي في البلاد، إذ كانت إلى حدود السنوات الأولى من الغزو السوفياتي عام 1979 مؤسسة يرتادها أبناء النخبة وفيها تعلمت وجوه أفغانية بارزة.

‪التعاون الثقافي بين فرنسا وأفغانستان يعود لمطلع عشرينيات القرن الماضي‬ (الجزيرة)
‪التعاون الثقافي بين فرنسا وأفغانستان يعود لمطلع عشرينيات القرن الماضي‬ (الجزيرة)

في هذه المؤسسة تشبع رحيمي (52 عاما) بحب اللغة الفرنسية قبل أن يهرب إلى باكستان في أعقاب الغزو السوفياتي ليحط الرحال لاحقا في فرنسا، وفيها تعلم الملك الراحل محمد ظاهر شاه، والقائد السياسي والعسكري الراحل أحمد شاه مسعود، والمرشح الحالي لانتخابات الرئاسة زلماي رسول.

لكن المدرستين لم تسلما من لعنة السياسة، فبعد سنوات قليلة من الغزو الروسي لم يعد التدريس فيهما باللغة الفرنسية بل أصبح بإحدى اللغتين المحليتين (بشتو وداري) وتحولت لغة موليير إلى مجرد لغة أجنبية تدرس لساعات محدودة.

دعم  فرنسي
وبقي الوضع كذلك حتى بعد الإطاحة بحكومة طالبان (2001)، لكن فرنسا نزلت بثقلها لدعم تلك المدرستين ومؤسسات أخرى بينها جامعة كابل، ولتعزيز إشعاع اللغة الفرنسية من خلال ترميم المعهد الثقافي الفرنسي الذي وضعت لبنته الأولى عام 1968 ويوجد في نفس مبنى مدرسة "استقلال".

وقبل وضع الحجر الأساس لذلك المعهد على أيدي الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، كان لفرنسا حضور ثقافي آخر متمثلا في البعثة الأثرية الفرنسية التي رأت النور عام 1922 بشكل متزامن تقريبا مع مدرستي "استقلال" و"ملالاي"، وبطلب من الحكومة الأفغانية.

ولا تزال تلك البعثة نشيطة في البلاد من خلال الإشراف على مشاريع للبحث عن الآثار في عدة مدن أفغانية وإعداد الخارطة الأثرية للبلاد والعناية ببعض المعالم المعمارية وتكوين كوادر محلية في مجال الآثار.

ورغم أن عدد الناطقين بالفرنسية في أفغانستان محدود للغاية تحظى تلك اللغة بوضع اعتباري خاص لدى نخبة البلاد، وتمثل قاسما مشتركا بين المرشحين الثلاثة البارزين في انتخابات الرئاسة (زلماي رسول وعبد الله عبد الله وأشرف غاني)، وإن تباينت مستويات إلمام كل واحد منهم بها.

المصدر : الجزيرة