حي القابون الدمشقي نموذج للتسوية بالأرض

الدمار في حي القابون الدمشقي
undefined

 
سلافة جبور-دمشق
 
ليست الصورة مشهدا من مشاهد أفلام الرعب أو الحرب، كما ليست لآثار زلزال جاء على حين غرة، بل هي مشهد من مشاهد عمت مدنا وقرى سورية كانت عامرة بأهلها، قبل أن تسوي الآلة العسكرية السورية بناياتها بالأرض.

هذا الواقع كان موضوع تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أصدرته نهاية الشهر الماضي، اتهمت فيه السلطات السورية بأنها "قامت عمداً ودون وجه حق بهدم آلاف المباني السكنية في دمشق  وحماة بطريقة لم تكن تخدم أي غرض عسكري ضروري وبدت وكأنها تعاقب السكان المدنيين عن قصد".

التقرير الذي حمل عنوان "التسوية بالأرض.. عمليات الهدم غير المشروع لأحياء سكنية في سوريا في 2012-2013" أضاف أن "محو أحياء بأسرها من على الخريطة ليس من أساليب الحرب المشروعة، وتأتي عمليات الهدم غير المشروع هذه كأحدث إضافة إلى قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبتها الحكومة السورية".

 
وفي جولة على حي القابون الدمشقي -أحد الأحياء المذكورة في التقرير- رصدت الجزيرة نت آثار الدمار الهائل في منازل وممتلكات المدنيين، الذي شمل حوالي 70% من مساحة الحي بحسب تقديرات الناشطين هناك.

من هؤلاء مدير المكتب الإعلامي في حي القابون تيم الدمشقي الذي أفاد بأن ما يزيد عن 2500 منزل و1200 متجر تم تدميرها في المنطقة السكنية والمنطقة الصناعية من الحي منذ العام 2012، مما أدى إلى نزوح آلاف العائلات.

ويضيف الدمشقي -في حديثه للجزيرة نت- أنه جرى في العام 2012 تجريف المنازل والمحال التجارية في المنطقة الصناعية مما اضطر حوالي 1800 عائلة لإخلاء المنطقة.

‪جانب من الدمار الذي لحق بحي القابون الدمشقي‬ (الجزيرة نت)
‪جانب من الدمار الذي لحق بحي القابون الدمشقي‬ (الجزيرة نت)

24 ساعة
وأوضح أنه ورغم أن كل منزل كان يضم عائلتين أو أكثر فإن الجيش السوري "لم يمهل سكان المنازل سوى ثلاث ساعات لحزم أمتعتهم والرحيل" وأصحاب المحال سوى 24 ساعة لإفراغ بضائعهم مؤكدا أن "الوقت لم يكن كافيا لأي أحد".

ويؤكد الدمشقي أن مناطق الهدم هي تلك التي شهدت أعنف المعارك، مما أدى إلى تدميرها بالكامل وكشفها أمام الجيش النظامي.

أما في معركة القابون الأخيرة التي بدأت في يوليو/تموز الماضي، فقد هدمت قوات النظام ما يقارب ألفي منزل تطل على طريق دمشق حمص الدولي كانت تأوي أكثر من ثلاثة آلاف عائلة وذلك عن طريق القصف والغارات الجوية المستمرة.

ويقول علاء -وهو ناشط إعلامي في الحي الدمشقي- إن الغاية من كل عمليات الهدم كانت كشف مسافة مائتي متر على جانبي الطريق الدولي لتجنب أي هجوم للمعارضة المسلحة على المنطقة وفتح طريق حربي لتخفيف الضغط على الطريق الدولي الذي لم يكن آمناً لعناصر النظام بسبب سيطرة الثوار على الحي المطل على الطريق مباشرة.

ويضيف علاء -في حديثه للجزيرة نت- كان دافع النظام الأساسي هو الانتقام من أهالي الحي وإفقاد الجيش الحر حاضنته الشعبية، فكان "عناصر المخابرات الجوية المشرفون على عمليات الهدم في المنطقة الصناعية يقولون لنا إن ذلك هو نتيجة حمايتنا للمسلحين الإرهابيين ومطالبتنا بالحرية".

‪نشطاء: الدمار لحق بـ70% من مساحة الحي‬ (الجزيرة نت)
‪نشطاء: الدمار لحق بـ70% من مساحة الحي‬ (الجزيرة نت)

مساحات مكشوفة
أما خلال المعركة الأخيرة فيؤكد علاء اعتماد النظام على القصف بصواريخ أرض أرض والمدفعية والدبابات وقذائف الهاون بهدف هدم المنازل وخلق مساحات مكشوفة بينه وبين نقاط الثوار ليتجنب أي محاولة اقتحام وذلك بسبب نقص عدد المقاتلين لديه.

الأمر المؤسف -بحسب ناشطي الحي- هو الدمار الكامل للمنطقة الصناعية بما تحويه من محال تجارية والتي كانت مصدر رزق معظم أبناء الحي، وبذلك فقد الكثير منهم عمله ودخله الأساسي.

وقد فاقت الخسائر نتيجة تهديم تلك المنطقة المليار ليرة سورية وذلك بسبب عدم تمكن السكان من إفراغ محتويات المنازل والمحلات بحسب الناشطين.

أبو عمرو -والذي كان يملك ثلاث محال في المنطقة الصناعية منذ أكثر من عشرين عاماً حيث كان يعمل في تصليح السيارات- فقد اليوم كل شيء بعد أن دمرت محاله ومنزله ومزرعته ولم يتمكن من إنقاذ أي من قطع السيارات التي كان يملكها أو أدوات عمله.

أما أم محيي الدين والتي تبلغ من العمر ثمانين عاماً، فقد هدم منزلها في المنطقة الصناعية والذي كانت تعيش فيه مع أولادها الأربعة وعائلاتهم. ووصفت جانبا من معاناتها بالقول "لم يعد لنا مكان نذهب إليه، لقد هدم المنزل فوق أغراضنا وكل ما نملكه دفن تحت الركام، حتى الذكريات".

المصدر : الجزيرة