سوريون ولدوا بالمنفى يحلمون بالعودة

Carrying their luggage people walk close to the area of the Masnaa crossing between the eastern Lebanon and neighboring Syria on July 19, 2012, as weekenders and others fleeing the violence in Syria cross over into Lebanon. The Syrian regime is in its last days, the head of the main exiled opposition group said, warning that a veto by Russia and China at the United Nations could have "disastrous" consequences. AFP PHOTO/STR
undefined

ناريمان عثمان-عمّان

كان عهد يشعر بأن القصص التي يرويها له والداه عما حدث في حماة في الثمانينيات عصية على التصديق، لكنه يسمع الآن قصصاً لا تقل فظاعة عنها من أقاربه وأصدقائه وسائر السوريين الذين نزحوا إلى الأردن.

وعلاوة على ذلك فقد اختبر الشاب البالغ من العمر عشرين عاماً بنفسه تجربة يصفها بالمريعة مع المخابرات السورية.

خرجت عائلة عهد من سوريا في ثمانينيات القرن الماضي على أمل العودة إليها خلال شهور قليلة، ولم يُقدر لهم أن يرجعوا حتى اليوم ليصبح عمر غربتهم أكثر من ثلاثين عاماً.

وُلِد عهد بالأردن في حي تسكنه مجموعة من العائلات السورية التي خرجت من مدينة حماة (وسط) هرباً من المجزرة التي لفّها صمت مطبق داخل سوريا، وكان محظوراً تداول أخبار أو معلومات عما حدث وقتها.

الزيارة الأولى والأخيرة
عندما بلغ عهد الـ15، قرر والده أن يصحبه وإخوته إلى سوريا لأول مرة، وقال "أراد أبي أن نزور حينا في حماة وقبور الشهداء من عائلاتنا الذين بلغ عددهم 56 شخصاً، وأن نتعرف إلى حينا وما حل ببيتنا".

استطاعت العائلة اجتياز الحدود الأردنية السورية دون مشاكل لكن ما إن وصلوا إلى حماة حتى بدأت سلسلة استدعاءات من الفروع الأمنية "طلبونا في الأمن السياسي والعسكري والجوي. زرنا كل الفروع تقريباً لأن والدي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ولأني الابن البكر فقد كنت محور استجوابهم أثناء التحقيق، وسمحوا لأهلي بالمغادرة مقابل أن يستبقوني".

عمر أبازيد ما يزال يحلم بالعودة (الجزيرة)
عمر أبازيد ما يزال يحلم بالعودة (الجزيرة)

يقول عهد إنه ظل ممنوعاً من مغادرة حماة طوال خمسة شهور حيث أُرغم على زيارة فرع الأمن يومياً من الصباح حتى المساء، إلى أن تمكن من اللحاق بأهله في الأردن بعد أن دفعوا مبلغاً طائلاً، ووقتها كان قد فاته فصل دراسي كامل في مدرسته.

وقال "كنت أحلم بأن أزور ثلاث مدن في سوريا هي دمشق وحمص واللاذقية، لكني كنت ممنوعاً من التحرك ولم أتمكن من دخول سوريا بعدها".

وما إن وصل إلى الأردن حتى كان عهد مطلوباً مجدداً للأمن السوري، ولكن هذه المرة لينفذوا فيه الإعدام. وعن ذلك يقول "استلم جدي بلاغاً باستدعائي مجدداً، وعرف من أحد الضباط عن موضوع الإعدام، لكني كنت قد نجوت وأصبحت خارج البلاد".

هذه الظروف ولّدت لدى عهد فضولاً كبيراً لقراءة أي كتاب يقع تحت يديه عن سوريا والإخوان المسلمين وأحداث حماة، وزادت تعاطفه مع اللاجئين السوريين الذين يعيشون نسخة أسوأ مما عاشه أهله.

وأصبح لديه مجموعة كبيرة من الأصدقاء والمعارف من مناطق سورية عديدة من خلال ما يبذله من جهد شخصي لمساعدتهم.

عدنان عرابي وُلد بالعراق بعد فرار والده من سوريا (الجزيرة)
عدنان عرابي وُلد بالعراق بعد فرار والده من سوريا (الجزيرة)

الوطن الحلم
وهناك شاب سوري آخر وُلد بالمنفى حيث خرج والده من درعا (جنوب) بالثمانينيات ولم يعد بعدها، إنه عمر أبازيد الذي تحدث للجزيرة نت عن ظروف خروج والده عبر الحدود البرية واللحظات التي فصلته عن الموت.

وقال "والديّ صوّرا لنا سوريا على أنها جنة، وكنت منحازاً لكل شيء سوري من المطبخ السوري إلى المسلسلات السورية وكل ماله علاقة بسوريا".

كان عمر يحلم عندما يكبر أن يصبح قادراً على فعل شيء من أجل تغيير الوضع السياسي في بلاده الذي فرض عليه العيش في الغربة. لكن عمر ما زال مفعماً بالأمل أن ذلك اليوم لا محالة آتٍ.

أما عدنان عرابي (21 سنة) فقد فر والده إلى العراق حيث تزوج وأنجب عدنان هناك، لتتابع العائلة حياتها بعد ذلك في الأردن.

وقال عرابي للجزيرة نت "لم يكن والدي يحدثني عن ظروف خروجه من سوريا عندما كنت صغيراً، وعندما كبرت أخبرني عن القتل العشوائي والمعاملة المذلة وهدم البيوت والاعتقالات".

وأضاف أنه شعر بالغربة عندما توفي جده ولم يتمكن والده من الذهاب إلى حماة لتشييعه، وعندما بدأ هو بزيارة أقاربه في سوريا وتعرض للتحقيق في الفروع الأمنية، زاد شعوره بالغربة.

ورغم كل الظروف السيئة، ما يزال أمل عدنان كبيراً بأن قصة والده لن تتكرر مع النازحين الجدد وسيعودون حتماً إلى سوريا في وقت قريب. ولا يكف الشبان الثلاثة عن الحلم بأن يعودوا يوماً إلى وطنهم ليشاركوا في إعادة بنائه.

المصدر : الجزيرة