ميلاد حزين لمسيحيي العراق وسوريا بالأردن

عائلة ندا
عائلة عراقية مسيحية لاجئة بدير اللاتين في العاصمة الأردنية عمّان (الجزيرة نت)

الجزيرة نت-عمان

مع حلول احتفالات عيد الميلاد لدى المسيحيين، يخيم الحزن على كنيسة دير اللاتين بالعاصمة الأردنية عمّان، والتي تحتضن عشرات العائلات المسيحية الفارة من جحيم الموت في شمالي العراق.

ويختلط حزن اللاجئين بالخوف من المجهول، ولكن رغم ذلك جرى تعليق بعض مظاهر الزينة والبهجة في الغرف المخصصة لإقامة العائلات مؤقتا، وكان بابا نويل الشخصية المحببة في هذه الأعياد حاضرا، لكن هذه المظاهر لم تخفف من قلق من اكتووا بمرارة اللجوء.

وفي إحدى زوايا الدير، نصبت شجرة صغيرة عليها زينة بألوان مختلفة، تحاكي شجرة عيد الميلاد التقليدية كبيرة الحجم.

ندى: نحاول الاحتفال لكن بداخلنا غصة كبيرة بسبب المصير المجهول (الجزيرة نت)
ندى: نحاول الاحتفال لكن بداخلنا غصة كبيرة بسبب المصير المجهول (الجزيرة نت)

شجرة الميلاد
في غرفة صغيرة داخل الدير، وقفت اللاجئة العراقية الثلاثينية ندى أمام شجرة ميلاد صغيرة، وأخذت تعلق عليها بعض الزينة، علها تخفف من أوجاع زوجها بسام وأطفالها الصغار.

تقول ندى التي فرت وعائلتها قبل شهرين من منطقة قراقوش في الحمدانية القريبة من مدينة الموصل في محافظة نينوى، "لم تكن أعياد الميلاد تمر بهذا الشكل من قبل، لكننا مضطرون للتعامل مع واقع جديد".

وتضيف "اعتدنا على الاحتفال بهذه المناسبة بإقامة الصلاة، وحضور العائلات إلى الكنائس، وتبادل التهاني".

المصير المجهول
وتضيف ندى "نحاول قدر الإمكان الحفاظ على هذه الطقوس، ولكن تبقى هناك غصة كبيرة بسبب الأوضاع السيئة التي عشناها ونعيشها، وبسبب المصير المجهول".

وتابعت قائلة "نصلي من أجل السلام في العراق وكل البلدان المجاورة، بعد أن جمعنا الحزن برباط واحد".

السبعينية سعاد سيدة أخرى خاضت تجربة اللجوء المر خلال الأشهر الماضية، واستقر بها المقام في الدير الذي يكتظ باللاجئين.

‪سعاد: بعض أفراد عائلتي عجزوا عن الهروب بسبب ثمن تذكرة السفر‬ (الجزيرة نت)
‪سعاد: بعض أفراد عائلتي عجزوا عن الهروب بسبب ثمن تذكرة السفر‬ (الجزيرة نت)

الأمن والأمان
تقول سعاد التي وضعت مجسما لبابا نويل وشجرة مزينة إلى جوار سريرها الخشبي، "هذا أول عيد أقضيه خارج بلدي العراق، وكم تمنيت أن أكون وسط عائلتي في مثل هذه الأيام، لكن الأوضاع الصعبة أجبرتني على الهروب".

وأضافت والدمع يملأ عينيها "تركت ورائي أفرادا من عائلتي تقطعت بهم السبل بعد أن عجزوا عن دفع ثمن تذكرة السفر للقدوم إلى هنا، وكل ما أتمناه أن يعم السلام المنطقة، وأن نعيش في أمن وأمان".

ولا توجد أرقام رسمية لأعداد العراقيين المسيحيين الذين فروا إلى الأردن خلال الأشهر الماضية، لكن مصدرا حكوميا أردنيا قال للجزيرة نت إن بلاده "تحتضن الآلاف منهم".

أجواء العيد
ولا تختلف أجواء العيد بالنسبة للاجئي سوريا المسيحيين في الأردن، ويتجاوز عددهم وفق بيانات الحكومة منذ أشهر نحو نصف مليون، يقيم 80% منهم في مدن ومناطق الأردن المختلفة.

تقول نورة (29 عاما) -وهي لاجئة مسيحية قدمت من دمشق والتقيناها في متجر لبيع أشجار الميلاد في عمّان- "نعيش عيدا حزينا هذا العام، لكننا مصرون على الاحتفال والبحث عن بصيص أمل، ونعمل على إدخال السرور إلى نفوس أطفالنا التي أثقلتها الحرب".

‪فرنسيس: قدمنا خدمات لأكثر من 400 ألف مسيحي سوري وعراقي‬ (الجزيرة نت)
‪فرنسيس: قدمنا خدمات لأكثر من 400 ألف مسيحي سوري وعراقي‬ (الجزيرة نت)

أوضاع مأساوية
وأضافت نورة بحزن أن "المسيحيين في بلدي يعانون أوضاعا مأساوية، ولا يريدون شيئا سوى المحافظة على أرواحهم والعيش بسلام".

وتابعت "في هذا العيد ندعو الرب أن يتلطف بأحوالنا، وأن يوقف النزف المستمر في سوريا والعراق وفي كل البلدان".

يقول فارس فرنسيس المسؤول في جمعية كاريتاس التي تشرف على أوضاع مسيحيي العراق في الأردن "إن الجمعية تقدم خدمات لنحو ستة آلاف لاجئ مسيحي عراقي".

وقدمت جمعية كاريتاس خدمات أكبر لزهاء 400 ألف مسيحي سوري لجؤوا إلى الأردن منذ بداية الأزمة في بلدهم، حسب مدير الجمعية.

الأوضاع النفسية
وأضاف فرنسيس "نحاول جاهدين تأمين احتياجات العراقيين والسوريين لفترة العيد، وكما هو حال المواطن المسيحي الأردني ننظم لهم احتفالات داخل الكنائس والأديرة، إضافة إلى أمسيات وتراتيل، ونحرص على حضور السانتا (بابا نويل) الذي يوزع الهدايا على الأطفال".

ويشرح مدير الجمعية أن هناك دورا مهما لمؤسسات المجتمع المدني في الأردن، قائلا إن "على الجميع تحمل مسؤولياته".

ويؤكد أن الوضع النفسي للعائلات المسيحية الفارة من العراق وسوريا من أبرز التحديات التي تواجه تلك المؤسسات، إضافة إلى الجهات الحكومية.

ويختم حديثه بأن "الوضع النفسي لهذه العائلات مقلق جدا، وهناك عائلات كثيرة تشتت أفرادها في أكثر من بلد، وهو ما يضاعف حجم مأساتها".

المصدر : الجزيرة