حصار اليرموك واليتم أطاحا بطفولة "باسل"

تؤكد تقارير الهلال الأحمر الفلسطيني أن المخيم يعيش حالة إنسانية فائقة بالسوء
تؤكد تقارير الهلال الأحمر الفلسطيني أن مخيم اليرموك بدمشق يعيش حالة إنسانية فائقة السوء (الجزيرة)

سيلين أحمد-دمشق

أرغمته الحرب على استبدال صوته الأكثر خشونة بالصوت الصبياني، فآثر "باسل" تغيير ملامحه ليتمكن من إعالة والدته، في ظل الحصار المفروض على مخيم اليرموك بدمشق منذ أكثر من 520 يوما.

ينتمي باسل (11 عاما) إلى عائلة فلسطينية لم تستطع النزوح من المخيم إلى جانب عشرين ألف مدني آخرين يحاولون التعايش مع ظروف إنسانية قاسية، ليس أولها انقطاع المياه لـ99 يوما على التوالي، وليس آخرها الغياب الكامل للكهرباء منذ أكثر من عام، علاوة على شحّ المواد الغذائية والقصف المتقطع على المخيم.

وتروي عفراء كرم والدة باسل قصة معاناة مخيم اليرموك للجزيرة نت قائلة "تسبب قصف النظام السوري في مقتل زوجي العام الفائت، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى أرملة مع طفل يتيم وبلا عائل.

‪باسل لا يجد لأسرته إلا الماء الملوث‬ (الجزيرة)
‪باسل لا يجد لأسرته إلا الماء الملوث‬ (الجزيرة)

"جالونات" المياه
وأضافت أن وفاة الزوج جعل باسل يضطر للعمل في دكان لبيع الفلافل بدل الذهاب إلى المدرسة كغيره من الأولاد، فتحوّل إلى شاب مسؤول بعد مقتل أبيه، ولم أعد أشعر بصغر سنه".

وتعوّد باسل على القيام برحلته الصباحية اليومية، يصطحب (جالونات) المياه، وينتظر ساعات لتعبئتها بمياه ملوثة من الآبار، داعيا الله ألا تكون سببا في مرضه ومرض والدته، كما حدث مع جاره أبو محمد (ستون عاما) الذي لم يتعاف من مرض التيفوئيد حتى الآن.

تغمره الفرحة كلما علم أن جهة إغاثية تقوم بتوزيع مياه صالحة للشرب، فيجري مسرعا إلى مكان التوزيع، على أمل أن يكون من أوائل الواصلين والحاصلين على المياه قبل نفادها.

الشوق للمدرسة
ويقول باسل للجزيرة نت "أنتهي من تعبئة المياه وأتوجه إلى عملي في الدكان، وأقوم بتلبية طلبات معلمي.

ويتابع "أشتاق للمدرسة أحيانا عندما أرى طلابا يحملون الحقائب المدرسية، لكن الأهم من ذلك أن والدي لم يعد موجودا".

ومع كل شهر، يترقب باسل خبر توزيع مساعدات غذائية تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أو أي جهة إغاثية في المخيم، ويتذكر حبه شرائح المرتديلا التي تشملها المساعدات، الأمر الذي يمنحه حماسا كبيرا للتوجه لجلبها، ويعترف بأنه يلجأ لأساليب صبيانية كالانسلال بجسده الصغير بين جموع الناس المتدافعة للحصول على الحصة التموينية.

تجمع لسكان مخيم اليرموك في انتظار توزيع المساعدات (الجزيرة-أرشيف)
تجمع لسكان مخيم اليرموك في انتظار توزيع المساعدات (الجزيرة-أرشيف)

قذائف الهاون
ويتجاهل باسل صغر سنه في أغلب الأوقات، لكن المعاناة لا تمنعه من ممارسة شقاوة الطفولة أحيانا في ظل انقطاع الكهرباء، فهو يقلد أصوات قذائف الهاون من على شرفة منزله بدقة متناهية.

ويراقب الطفل الفلسطيني الناس يمينا وشمالا بضحكات ماكرة، غير آبه بتأنيب بائع الدخان المتواجد أسفل شرفته وتوبيخ والدته التي كثيرا ما تتعبها شقاوته، لكنها تستسلم أمام براءته وتلجأ إلى الضحك.

وتقول والدة باسل "أشتاق للضحك أحيانا في ظل الظروف السيئة التي نعيشها، وأغرب ما في الأمر أن مصيرنا أصبح معلقا بصندوق كرتوني يحوي بعض الأرز والزيت".

وباء قاتل
وأضافت أن "الخوف من الإصابة بوباء قاتل بسبب استخدام المياه الملوثة أصبح يسيطر على الجميع، وقد كتبت لي النجاة أنا وباسل من حصار الجوع العام الماضي، ولا أعرف إن كان الحظ سيحالفنا هذه المرة".

ويسترجع باسل بعض التفاصيل العالقة من حصار الجوع على المخيم، عندما تحول الخبز إلى حلم يراوده كل ليلة، بالإضافة إلى كونه شاهدا على موت بعض أقاربه وجيرانه بسبب سوء التغذية.

وعند سؤاله عن حلمه حاليا، قال "لا أريد الموت عطشا أو جوعا، كل ما أريده هو اللعب مع أصدقائي في الحي بأمان".

الجدير بالذكر أن مخيم اليرموك يعيش واقعا صحيا وطبيا وإنسانيا بالغ السوء، فانعدام أبسط مقومات الحياة أدى إلى انتشار أمراض عدة بين من تبقى بداخله، مثل اليرقان والجفاف لدى الأطفال، والتيفوئيد والحمى المالطية، إضافة إلى الجرب والقمل خصوصا في صفوف طلبة المدارس البعيدة كل البعد عن المعايير المعروفة للفصول الدراسية، حسب الهلال الأحمر الفلسطيني.

المصدر : الجزيرة