التنمية عالميا وعربيا ضحية أزمات مزمنة وطارئة

An internally displaced woman, who fled the violence in Aleppo's Handarat area, cooks at a makeshift camp in the northern countryside of Aleppo October 8, 2014. REUTERS/Jalal Al-Mamo (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST SOCIETY POVERTY)
سيدة فرت من القتال بمنطقة حندرات قرب حلب والإحصاءات تشير لخسارة سوريا 237 مليار دولار هذا العام (رويترز-أرشيف)

 زهير حمداني

لم تحمل سنة 2014 تغيرا كبيرا على صعيد التنمية في العالم، مع استمرار تبعات الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 ونشوء أزمات أخرى إقليمية. وبقيت مؤشرات التنمية البشرية ضعيفة خاصة بالبلدان التي شهدت تحركات اجتماعية طيلة السنوات الأربع الماضية، أو تعثرت فيها عمليات الانتقال السياسي، ما حمّلها أعباءً اقتصادية جديدة وتراجعا في نسب النمو لا سيما في المنطقة العربية.

فرغم مرور ست سنوات على الأزمة المالية العالمية، لا يزال التعافي الاقتصادي ضعيفا وغير متكافئ عالميا. وتتوقع المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو اقتصاد العالم خلال العام الجاري 3.3%، وهو ما يدل على استمرار الاتجاه التراجعي منذ عام 2010.

وتكمن أبرز أسباب تباطؤ النمو في العجز التجاري الضخم والمستمر في العديد من دول العالم، وهو ما لا يؤدي فقط إلى عدم القدرة على توفير الوظائف وابتعاد فرص الاستثمار في تلك الدول، ولكن أيضا إلى انتقال الأزمات المالية بشكل أو آخر من بلدان العجز التجاري إلى بلدان الفائض التجاري بسبب ضعف حركة الصادرات وفساد بعض الأسواق.

وبناء على ذلك، سجلت سنة 2014 بشكل عام تعافيا بطيئا وغير مؤثر في حل الأزمات الاجتماعية، حيث بقيت معدلات البطالة مرتفعة حتى في بلدان منطقة اليورو، كما ظهرت مخاطر متعددة أثرت على التنمية في عدد كبير من البلدان خاصة في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وأوكرانيا، وفي بلدان غرب أفريقيا تفشي فيروس إيبولا القاتل.

وعلى الرغم من المكاسب المحققة خلال الفترة من 2008 إلى 2014 مقارنة بما كان عليه الوضع من 2000 إلى 2008، تشير تقديرات البنك الدولي إلى انخفاض مستوى التقدم السنوي بالتنمية البشرية حوالي النصف بين الفترتين بالدول العربية ومنطقة آسيا والمحيط الهادي ومنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي.

‪البطالة بقيت مرتفعة هذا العام حتى في منطقة اليورو‬ (رويترز)
‪البطالة بقيت مرتفعة هذا العام حتى في منطقة اليورو‬ (رويترز)

كما يكشف تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى افتقار معظم سكان العالم إلى الحماية الاجتماعية كمعاشات التقاعد وتعويضات البطالة، إذ لا تبلغ كلفة تأمين مستحقات الضمان الاجتماعي لفقراء العالم سوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

مخاطر جديدة
وبقي الفقر تحديا كبيرا يواجهه عدد من البلدان، وفي آخر تقديرات البرنامج الأممي الإنمائي، يعيش 1.5 مليار شخص في 91 بلدا على أقل من 1.25 دولار يوميا، بما يعنيه ذلك من أوجه حرمان متداخلة في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، كما لا يزال الفقر يتهدد نحو ثمانمائة مليون إنسان وفق تقديرات البرنامج.

ويعاني مائتا مليون شخص كل سنة من الكوارث الطبيعية، وقد زادت موجات النزوح واللجوء والهجرة لتسجل هذا العام رقما قياسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وفق منظمة الهجرة العالمية.
وقد جلب عام 2014 خطرا جديدا على عدد من بلدان القارة الأفريقية ممثلا في وباء إيبولا القاتل.

ففي ليبيريا وسيراليون وغينيا، تبدو أغلب المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت في السنوات الأخيرة مهددة بالضياع. وقد تتراجع معدلات التنمية بعد أن حققت قفزة كبيرة في العقد الأخير، إذ سجلت اقتصادات ليبيريا 10% سنويا في المتوسط وسيراليون (8%) وغينيا (2.8%).

ويؤكد صندوق التنمية الأفريقي -في أحدث دراساته- أن واحدا من ثلاثة أفارقة دخلوا الطبقة الوسطى بالعقد الماضي، وقد أصبح ما لا يقل عن 370 مليونا من الأفارقة، (أو 34% من سكان القارة البالغ عددهم 1.1 مليار نسمة) هم الآن الطبقة الوسطى. لكن هذه النسبة لا تؤشر إلى تقدم حقيقي في التنمية البشرية وإلى تحسن كبير بالخدمات الصحية والتأمينات الاجتماعية والتعليم، إضافة إلى عدم شمولها بلدانا كثيرة تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة مثل أفريقيا الوسطى والنيجر ومالي وجنوب السودان وغيرها.

رغم الأرقام اللافتة لا تَقدُم بالخدمات الصحية والتأمينات الاجتماعية بأفريقيا (رويترز)
رغم الأرقام اللافتة لا تَقدُم بالخدمات الصحية والتأمينات الاجتماعية بأفريقيا (رويترز)

استعصاء عربي
وعلى المستوى العربي، يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2014 إلى أن هناك مخاطر متشعبة تواجه الدول العربية خاصة النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي والبطالة في صفوف الشباب وعدم المساواة بين الجنسين، وإذا كانت هذه المشاكل مزمنة في معظم البلدان العربية بفعل فشل التنمية وتراكم الصعوبات، فقد زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة مرورا بهذه السنة.

فقد خسر الاقتصاد السوري مثلا ما قيمته 237 مليار دولار، حتى السنة الجارية، ومن المنتظر أن تصل معدلات الفقر بهذا البلد إلى مستوى 90% من إجمالي السكان بنهاية السنة القادمة وفق تقرير أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا).

كما يشير تقرير أصدره المركز العالمي للدراسات التنموية أن عمليات التهجير القسرية في سوريا والعراق ساهمت في حرمان ثلاثمائة ألف طفل من التعليم بالعراق و420 ألفا مثلهم في سوريا. ومع غياب الاستقرار الأمني والصراع المسلح بالعراق وسوريا وليبيا، شهدت معدلات التنمية تراجعا كبيرا وتضررت أو انهارت منظومات الصحة والتعليم والعمل والتأمينات الاجتماعية، ودخل الأفراد، وفقد مئات الآلاف منازلهم.

كما أدت الصراعات المسلحة في سوريا والعراق ليبيا وموجات النزوح واللجوء منها إلى انتقال المخاطر إلى جيرانها كالأردن ولبنان في الحالة السورية والعراقية، وتونس في الحالة الليبية، فزادت نسبة التضخم في هذه البلدان واشتدت المنافسة في سوق العمل وغيرها من المجالات.

قطر تتصدر العالم العربي في التنمية البشرية (رويترز)
قطر تتصدر العالم العربي في التنمية البشرية (رويترز)

وفي محاولة من بعض البلدان للبحث عن حلول لعجز الميزانية الهائل، عمدت إلى رفع الدعم عن أسعار المحروقات (حالة مصر) أو زيادتها باطراد -كما في تونس واليمن والمغرب والأردن- وكذلك في مواد استهلاكية أساسية أخرى، وهو ما أدى إلى ضغط كبير على الطبقات الفقيرة والمتوسطة بما يضرب في النهاية أي آفاق للتنمية البشرية خاصة على المدى القصير والمتوسط.

تأخر
وكمعدل عام، يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2014 إلى تأخر الدول العربية نسبة إلى المتوسطات العالمية، ويبلغ عدم المساواة في التعليم مستويات مرتفعة يصل متوسطها إلى 38%، وكذلك في الصحة والدخل ومعدل الفقر، حيث يصنف 82% من سكان الصومال مثلا كفقراء.

وفي مقابل ذلك، فإن بلدان الخليج العربي نجحت معظمها في الحفاظ على نسق تنموي مرتفع، وبقي معدل الدخل الفردي مرتفعا إذ يبلغ متوسطه 15.817 دولارا، متجاوزا المتوسط العالمي بنحو 15%. وتتصدر قطر الدول العربية في مستوى التنمية البشرية (المركز الـ31 عالميا ) والسعودية ثانيا (الـ34 عالميا) وفق تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتبقى الأهداف التنموية على الصعيد الإقليمي والدولي معرضة لمخاطر عديدة أبرزها الصراعات السياسية والحروب والأزمات المزمنة والطارئة، بالإضافة إلى الأسس القانونية والسياسية والصراعات الاجتماعية، وقد حملت التراجعات الأخيرة لأسعار النفط خبرا سعيدا للاقتصادات النامية والناشئة من جانب تخفيف العبء على الموازنات لكنها قد تحدث أزمة في الاقتصادات التي تعتمد على تصدير النفط.

المصدر : الجزيرة