تقديم الرئاسيات يعزز الاستقطاب بمصر
أنس زكي-القاهرة
لم تأت خطوة تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية في مصر بجديد اللهم إلا مزيدا من الجدل وتزايدا في حالة الاستقطاب السياسي بين من يؤيدون السلطة الحالية ويتوقون لرؤية وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية من جهة، وبين من يرفضونها ويرونها محض انقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي من جهة أخرى.
وكانت الخطوة التي أقدم عليها الرئيس المؤقت عدلي منصور هذا الأسبوع متوقعة على نطاق واسع، إذ مهد لها الإعلام بشكل مكثف على مدى الأسابيع القليلة الماضية عبر رسائل غير مباشرة حينا ومباشرة في أغلب الأحيان تقول إن مصر بأوضاعها الراهنة تحتاج لتقديم انتخابات الرئاسة للحصول على رئيس قوي ولا بأس من الإشارة معظم الوقت إلى أن السيسي هو ذلك الرئيس المنتظر.
ولم يهتم الإعلام كثيرا بما إذا كان هذا التغيير يمثل إخلالا بالخريطة السياسية، علما بأن هذه الخريطة أُعلنت من جانب السيسي نفسه في الثالث من يوليو/تموز الماضي بدعم من قوى سياسية ودينية، وشملت تعطيل الدستور وعزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيسا مؤقتا حتى تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية.
ولذلك فقد لاقت خطوة تقديم الرئاسيات الصدى الطبيعي والمتوقع لها في مصر بظروفها الحالية، حيث رحب بها مؤيدو السلطة الحالية ولم يجدوا أي غضاضة في تغيير خريطة الطريق المتفق عليها من القوى المشاركة فيها، في حين حمل عليها المعارضون ورأوا فيها دليلا جديدا على أن ما جرى في 3 يوليو/تموز لم يكن إلا بهدف اغتصاب السلطة.
في صالح مصر
وظهر هذا جليا في بيانات القوى السياسية حيث اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين أن تقديم الرئاسيات يعبر عن لهفة السيسي على مقعد الرئاسة بعد أن فشل في حشد المصريين للمشاركة في استفتاء الدستور ثم في حشد مؤيدي الانقلاب للتظاهر بالذكرى الثالثة لثورة يناير/كانون الثاني 2011 والتي حلت مطلع الأسبوع الجاري.
وعكس الشارع المصري حالة الاستقطاب هذه، فأكد لنا رزق أدهم -وهو محام مؤيد للسلطة الحالية- أن تقديم انتخابات الرئاسة أمر لا غبار عليه، بل إنه في صالح مصر لأنه يساعدها على تحقيق الاستقرار خصوصا في ظل رئيس قوي يمكنه تخليص مصر من الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها الإخوان المسلمين، حسب قوله.
وعما إذا كان هذا تغييرا ينال من مصداقية خريطة الطريق، قال رزق إن مستقبل مصر واستقرارها أهم كثيرا من هذه الأمور الشكلية، معتبرا أن الحديث عن ذلك يمثل ترفا لا مجال له في هذا الوقت وهذه الظروف، ومختتما حديثه بأن أغلب المصريين مع هذا التعديل ومع السلطة الحالية بشكل عام.
نظام قمعي
أما عادل لملوم الذي يعمل تاجرا، فقال ساخرا إن السلطة الحالية لم تأت بجديد في هذا القرار حيث ظلت على دأبها في طعن الديمقراطية والعمل على ترسيخ نظام قمعي يضمن استمرار السلطة في يد العسكر ويحرم مصر من فرصة أن تتقدم نحو أن تصبح في مصاف الدول الديمقراطية.
وأضاف لملوم أن الحكام الحاليين لم يكتفوا باغتصاب السلطة، بل يبخلون على المصريين حتى بمسار طبيعي يتمثل في إجراء الانتخابات البرلمانية أولا لأنه هو الذي يمثل الشعب بشكل حقيقي مستدركا بالقول "هذا إذا لم يتم تزوير انتخاباته".
من جانبه، حمل إسماعيل شفيق، الموظف بقطاع الأعمال، على الإعلام وقال إنه يخدع الناس بشأن تقديم الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أن الجميع بات يعلم الأغراض الحقيقية وراء ذلك، التي يأتي في مقدمتها مساعدة السيسي على تعزيز قبضته على السلطة، بحسب تعبيره.
وأوضح شفيق أن البدء بانتخابات البرلمان كان سيشعل الخلافات بين القوى المؤيدة للسلطة الحالية، كما أنه سيسمح لمعارضي السلطة بدخول البرلمان ربما بنسبة مؤثرة، في حين أن البدء بالرئاسيات سيساعد السيسي أو من يدفع به للرئاسة على إحكام قبضته على الساحة السياسية قبل انتخابات البرلمان، فضلا عن كونه سيحتفظ بالسلطة التشريعية طوال الفترة التي تمتد بين هذه الانتخابات وتلك.