ميدان تقسيم بعد الإخلاء.. كان هنا اعتصام!

الصورة رقم 6: آليات البلدية تزيل الأسلاك والحواجز التي وضعها المعتصمون في ميدان تقسيم
undefined

محمد أعماري-إسطنبول

أخذت الشرطة في تركيا مكان المعارضين المعتصمين في حديقة غيزي في ميدان تقسيم بمدينة إسطنبول، وحلت كراسي يجلس عليها رجال الأمن محل الخيام التي كان يبيت فيها المعتصمون.

آليات ثقيلة أنزلتها بلدية إسطنبول إلى الميدان لإزالة الأسلاك الشائكة والمتاريس والحواجز التي كان المتظاهرون يغلقون بها المنافذ إلى المكان، وعشرات العمال يسابقون الزمن لإعادة الميدان والحديقة إلى حالهما قبل فترة الاعتصام والمظاهرات.

ممثلون لوسائل إعلام تركية وأجنبية عديدة يجوبون المكان ويلتقطون صورا ويسجلون ملاحظات، ومن حين لآخر تطلب منهم الشرطة الابتعاد، وفي الطرف الآخر من الميدان بدأ بائعو زهور يعرضون بضاعتهم على المارة الذين بدؤوا يتوافدون، بينهم سياح بعضهم راجلون وآخرون تطوف بهم حافلات حمر في أنحاء الميدان.

‪قوات الأمن حلت محل المعتصمين في حديقة غيزي‬ (الجزيرة)
‪قوات الأمن حلت محل المعتصمين في حديقة غيزي‬ (الجزيرة)

تنظيف الساحة
أحد السياح الراجلين سألته الجزيرة نت عن الاحتجاجات التي تشهدها تركيا وهل تقلق السياح وتدفعهم للمغادرة أو عدم القدوم أصلا، فأجاب بأن هذا الأمر لا يعني السياحة في شيء.

وأضاف "نحن مجرد ضيوف، وسنقضي أياما ثم ننصرف، ولا شأن لنا بما يجري في البلد من مظاهرات، هذا بلدهم ومن حقهم أن يتظاهروا، نحن من واجب السلطات أن تحمينا فلماذا سنقلق أو نخاف إذن".

المعلم الوحيد البارز الذي قد يدل على أن اعتصاما كان هنا هو صورة ضخمة لكمال أتاتورك تتدلى مع علمين ضخمين من فوق بناية مركز أتاتورك الثقافي، الذي يعتبره معارضون للحكومة أحد المعالم المهمة ويتهمونها بالسعي لهدمه في إطار مشروع شامل لإعادة هيكلة الميدان.

السلطات هنا بدأت منذ ليلة السبت الماضي في تنفيذ أوامر بإخلاء المنطقة من المعتصمين، وهو ما أكده رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان حين قال الأحد في خطاب أمام الآلاف من أنصاره في إسطنبول إنه أمر بإخلاء الميدان.

"لقد أعطيناهم مهلة 24 ساعة لإخلاء المكان، ولما رفضوا قلت للشرطة أن ينظفوا الميدان وقد نظفوه، وإذا لم أفعل ذلك فلست رئيس وزراء"، وجدد اتهام المتظاهرين بأنهم يحرقون ويدمرون أملاك الدولة وأملاك الشعب.

محاولات للعودة
غير أن معارضي أردوغان يرفضون رفع الراية البيضاء، فهم ما يزالون يحاولون العودة إلى معتصمهم، وتشهد الشوارع المؤدية إلى ميدان تقسيم من حين لآخر محاولات للرجوع إليه، لكن رجال الأمن يسدون كل المنافذ.

الشرطة أغلقت الشوارع المؤدية إلى ميدان تقسيم خشية عودة المعتصمين (الجزيرة)
الشرطة أغلقت الشوارع المؤدية إلى ميدان تقسيم خشية عودة المعتصمين (الجزيرة)

أحد هؤلاء المعارضين، وهو الناشط سليم سزار يقول إنهم سيحاولون بشتى الطرق العودة إلى ميدان تقسيم، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن الميدان ساحة تاريخية ورمزية للاعتصامات والمظاهرات، ولا بد أن تحافظ على هذه الميزة.

وكشف أن نقاشا حادا ساد بين المتظاهرين يوم السبت الماضي، حين اقترحت فئة وقف المظاهرات وطالبت فئة أخرى بالاستمرار في الاحتجاج إلى غاية تلبية جميع المطالب، وأبرزها عدم استعمال العنف ضد المتظاهرين، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، وإصدار قانون يمنع الغاز المدمع، وتلقي ضمانات من الحكومة بعدم هدم مركز أتاتورك الثقافي.

حق تاريخي
ويقول سليم إنه من الصعب توقع ما سيحدث، لأن "المجموعات المتظاهرة ليست متجانسة، فعندما تتخذ جماعة ما قرارا تتخذ أخرى قرارا مخالفا لها". ويؤكد أن المظاهرات ستستمر وأنه إذا عادت الشرطة للتدخل العنيف فستتأجج الأوضاع".

وعلى الرغم من أنه يتوقع محاولة المعارضة للعودة إلى ميدان تقسيم، فإنه تمنى لو أن المتظاهرين أخلوا الساحة قبل أن تجبرهم الشرطة على ذلك، لأن الحكومة في نظره سوقت الإخلاء على أنه "انتصار لها".

المعارضون يعتبرون ميدان تقسيم محجا تاريخيا للتعبير عن غضب الأتراك، ويؤكدون أنهم لن يفرطوا في ما  يرون أنه "حق شرعي" في التظاهر في الميدان الذي كان منطلقا لعدة أحداث فارقة في تاريخ تركيا.

وسواء نجح المتظاهرون في العودة إلى ميدان تقسيم وحديقة غيزي أم لم ينجحوا، فإن الناشط سليم سزار يعتبر أن النجاح الحقيقي هو أنهم "كسروا جدار الخوف" وأن ما حدث سيجعل الحكومة في مستقبل الأيام "تفكر كثيرا قبل أن تتخذ أي قرار".

"من الآن فصاعدا لن تكون الأمور كما كانت من قبل، لقد أحدثنا حراكا سياسيا وسيصبح بمقدور الناس التعبير بحرية أكثر عن معارضتهم لهذه الحكومة"، هكذا يقول سليم.

المصدر : الجزيرة