أنقرة والكردستاني.. صدام فمفاوضات فسلام

Kurds take part in a demonstration calling for the release of Kurdistan Workers Party (PKK) leader Abdullah Ocalan, in Strasbourg, eastern France, February 16, 2013. REUTERS/Jean-Marc Loos (FRANCE - Tags: CIVIL UNREST POLITICS)
undefined

أحمد السباعي-الجزيرة نت

بعد نحو ثلاثين عاما من الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وأكثر من 45 ألف قتيل وجولات من المفاوضات الشاقة والفاشلة، تبدأ قوات حزب العمال بالانسحاب من مراكزها في تركيا بناء على اتفاق سلام بين أنقرة وزعيم الحزب عبد الله أوجلان.

عشرات السنوات من صراع دام عطل التنمية الاقتصادية في جنوب شرق تركيا الذي تسكنه أغلبية كردية وأرهق الإنفاق العسكري الذي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات خزينة الدولة لفترة طويلة، يبدو أنه وصل إلى خط النهاية رغم معارضة القوميين الأتراك للتفاوض مع المسلحين وتحذيرات الحزب الكردي أنقرة من أي "استفزاز" يخرج العملية عن مسارها.

وهذا التخوف الذي أبداه الحزب الكردي مشروع بسبب عدة جولات كان الاتفاق فيها قاب قوسين أو أدنى ولم تصل إلى خواتيم سعيدة لأسباب عدة، وما المواجهات بين الشرطة ومؤيدي حزب العمال في إقليم سيزر جنوبي شرق تركيا قبل ساعات من سحب مقاتلي الحزب إلا مؤشر على إمكانية الإطاحة بأي اتفاق.

الحزب الذي عُرف عالميا من هجماته على القوات التركية وإدراجه من قبل أوروبا وأميركا على لائحة المنظمات الإرهابية، أسسه طالب في جامعة أنقرة يدعى عبد الله أوجلان عام 1978 كتنظيم سري ماركسي وحمل الحزب السلاح ضد تركيا عام 1984 بهدف إقامة وطن مستقل للأكراد في المناطق الكردية من تركيا والعراق وسوريا وإيران، وفي أغسطس/أب من العام نفسه فر أوجلان من معسكر حزبه في سوريا بعدما هددت أنقرة دمشق بعمل عسكري ما لم تسلمها إياه.

عنف وتفاوض
أما أول مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين فكانت عام 1993 عندما دخل الرئيس العراقي جلال الطالباني وسيطاً بين الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال وبين أوجلان. ووصلت هذه المفاوضات لمرحلة متقدّمة، إبان وجود زعيم الكردستاني في دمشق. ووفق أوجلان، كان من المفترض بأوزال أن يتصل به هاتفياً، في نفس يوم وفاته " الغامضة" 17/04/1993، لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

وتقول مصادر إن أسباب فشل هذه المفاوضات تعود إلى ممانعة مراكز القوى القوميّة التقليدية (الدولة الخفيّة في تركيا) لحل القضية الكردية سلمياً. وشن حزب العمال هجوماً مسلحاً على جنود أتراك عزّل، كانوا عائدين من إجازاتهم، وقتل 33 جندياً تركياً رمياً بالرصاص.

الجولة الثانية من المفاوضات بين أنقرة والحزب -الذي يُقدر عدد مقاتليه بثمانية آلاف يتمركز أغلبهم في الجبال المجاورة لشمال العراق- كانت عام 1997، حين أرسل رئيس الوزراء التركي، وقتئذ، نجم الدين أربكان، رسائل إلى أوجلان، عبر الحركة الإسلاميّة اللبنانيّة. وانتهت هذه المبادرة، حين أطاح الجيش بأربكان.

وفي فبراير/شباط 1999، ألقت القوات الخاصة التركية القبض على أوجلان عندما كان متوجها إلى مطار العاصمة الكينية نيروبي، وحكم على أوجلان في يونيو/حزيران بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقا إلى السجن مدى الحياة بعدما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2002.

اعتقال أوجلان فتح الباب أمام جولة مفاوضات ثالثة كانت مباشرة هذه المرة بين الحزب المدعوم من أكراد تركيا والجاليات الكردية بأوروبا، وبدأت بلقاءات أجرتها السلطات التركية مع أوجلان، وذكر أوجلان أكثر من مرة أن هذه اللقاءات كانت تتم بشكل رسمي، وبعلم وتفويض من حكومة رئيس الحكومة بولند أجاويد وهيئة الأركان التركية، وأن هذه المفاوضات قد انقطعت فجأة دون مبرر واضح.

ومع وصول حزب الحرية والعدالة إلى سدة الحكم واعتماد زعيمه رجب طيب أردوغان سياسة أكثر ليبرالية من أسلافه، ومنحه الأكراد المزيد من حقوقهم الثقافية، جرت جولات جديدة من اللقاءات والمفاوضات، كانت تنقطع وتبدأ من حين لحين.

نواب أكراد يقرأون رسالة أوجلان لحزب العمال يأمرهم فيها بالانسحاب من تركيا
نواب أكراد يقرأون رسالة أوجلان لحزب العمال يأمرهم فيها بالانسحاب من تركيا

اتفاق وانسحاب
وأطول جولة مفاوضات كانت تلك السرية المباشرة، التي احتضنتها العاصمة النرويجية أوسلو، من سنة 2008 حتى يوليو/تموز 2011، حيث توقفت بشكل مفاجئ بعد هجوم شنّه مقاتلو الكردستاني على موقع عسكري تركي، بالإضافة لتسرّب تسجيلات صوتية لتلك اللقاءات إلى الإعلام التركي.

وأقر العام الماضي رئيس اللجنة التنفيذية للعمال الكردستاني بهذه المفاوضات. وأكد أن الوفد التركي المفاوض "لم يكن  يمثّل المخابرات التركية وحسب، بل كان يمثّل الدولة" نافياً أي دور للكردستاني في عملية تسريب الأشرطة الصوتية للإعلام التركي.

هذه المفاوضات رافقها جولات من العنف والاشتباكات بين الطرفين كان أعنفها صيف 2012 حيث تصاعد لوتيرة غير مسبوقة، خلال عشرة أعوام.

وخلال الفترة من يونيو/حزيران 2011 عندما أعيد انتخاب أردوغان لفترة ثالثة وأواخر العام الماضي قتل أكثر من ثمانمائة شخص.

ويعد القتال خلال تلك الفترة الأدمى منذ اعتقال أوجلان عام 1999 بناء على تقديرات مجموعة الأزمات الدولية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012  أجرى أوجلان وممثلون عن الحكومة التركية جولة جديدة من المفاوضات، بينما كان ناشطون أكراد محتجزون بالسجون التركية يضربون عن الطعام، وبعدها بشهر أنهى الناشطون إضرابهم بطلب من أوجلان، مما أفسح المجال لجولة جديدة من المفاوضات.

ومطلع العام الجاري تواصلت المفاوضات بين أوجلان ومسؤولين استخباريين أتراك في سجنه بجزيرة أمرالي ببحر مرمرة. كما قام حزب العمال بمبادرة حسن نية تمثلت بالإفراج عن ثمانية أسرى أتراك كان يحتجزهم منذ عامين في معقله بشمال العراق.

ويعلن أوجلان في 21 مارس/آذار 2013 وقفا لإطلاق النار ويأمر مقاتليه بالانسحاب من الأراضي التركية، وفق خطة تنهي صراع دام لنحو ثلاثة عقود.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات