الكيمياوي السوري يدخل بورصة السياسة

Former United Nations (UN) prosecutor and member of a UN-mandated commission of inquiry on the Syria conflict, Swiss Carla del Ponte (L) looks her document next to spokesperson of Human Rights Council, Rolando Gomez during a press conference on February 18, 2013 in Geneva. The International Criminal Court should be called in to probe war crimes in Syria, former UN prosecutor Carla del Ponte said. AFP PHOTO / FABRICE COFFRINI
undefined

أحمد السباعي-الجزيرة نت

دخل الحديث عن استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا البازار السياسي بعد بروز حالة من عدم اليقين الأممي حيال استخدامه وهوية من استخدم هذا السلاح، إضافة إلى تشكيك أميركي بشأن استخدام مسلحي المعارضة أسلحة كيمياوية، وترجيحها أن يكون أي استعمال للسلاح الكيميائي هو من قبل النظام.

وقد ثارت "زوبعة" سياسية إعلامية أحدثها اتهام عضو لجنة التحقيق الدولية بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا كارلا ديل بونتي للمعارضة باستخدام غاز السارين، والذي رفضه عقب ساعة من ذلك رئيس اللجنة الدولية نفسها.

في ظل هذه البورصة السياسية التي باتت تصعد وتهبط وفق الأهواء ودون دليل علمي قاطع، تبرز أسئلة من قبل ما حقيقة هذه الاتهامات؟ وما هي دوافع النفي والنفي المضاد؟ وعلام يعتمد المتهمون؟ وعلام يعتمد المشككون؟

الناحية التقنية لعملية التأكد من استخدام الكيمياوي يشرحها رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية السابق فاضل الجنابي بالقول إن هذه المواد تكون موجودة بالهواء أو الماء أو التربة أو الإنسان. ويضيف أن العاملين الأخيرين هما الأصدق لكشف المواد الكيمياوية، ففحص الإنسان المصاب  كاف للوصول إلى نتيجة والتربة والمواد الصلبة تبقى آثار هذه المواد عليها فترة طويلة.

وأوضح أنه من الناحية العلمية لا يمكن الاعتماد على شهادات كما حصل في السابق خلال نظام صدام حسين، وأشار إلى أن من يُطلق الاتهامات عليه تحديد نوعية هذا السلاح وكيفية ومكان الإطلاق والمناطق التي عثر فيها على آثار المادة.

وأشار إلى أن عملية تصنيع الكيمياوي معقدة جدا وتحتاج لثلاثة عوامل، وهي المواد المصنعة لهذا السلاح والأجهزة المستخدمة في التصنيع وأخيرا العلماء الخبراء الذين يعرفون كيف يُصنعون هذه الأسلحة، وإذا توفرت هذه العوامل لدى أي جهة من الجهات يصبح الكيمياوي جاهزا. وخلص إلى أن أي عالم أو متخصص يستطيع تصنيع مادة كيمياوية بكميات قليلة ولكن "ما نحن بصدده الآن سلاح دمار شامل".

تضارب الشهود
العالم النووي العراقي عماد خدوري يفسر اتهام ديل بونتي للمعارضة باستخدام غاز السارين بأنها التقت بلاجئين سوريين في مخيمات الخارج ولم تدخل المناطق التي من المفترض أنها قُصفت بغاز السارين، وأضاف أن محققين أخرين بالداخل يعتقدون أن النظام هو من استخدم الكيمياوي مرجعا هذا التضارب لهوية الشاهد الذي تتكلم معه.

ووافق ما جاء على لسان الجنابي بالقول إن مقابلة الشهود والمصابين ليست كافية على أهميتها للتوصل إلى نتائج وخلاصات يقينية وقاطعة، وتسأل إن كانت المعارضة استولت على الغاز السارين فكيف أطلقته؟

وأوضح أن عملية إطلاق غاز السارين تصاحبها إجراءات معينة كدراسة الجو وحركة الرياح وسرعتها بواسطة أرصدة جوية متطورة، لأن هذا الغاز ينتشر وقد يصيب مطلقيه إن لم يكن هناك مدى كاف ومنطقة مفتوحة، مستبعدا امتلاك المعارضة هذه الإمكانيات.

الخبير الأمني والإستراتيجي رياض قهوجي لم يكن بعيدا عن أجواء التصريحات السابقة. وأضاف عليها أن عددا من الشهود أو المصابين يُعالجون بمستشفيات دول داعمة للنظام السوري، أو لديهم أقارب بمناطق تحت سيطرة النظام، ولهذا كانت شهاداتهم تصب في مصلحة النظام للخوف على ذويهم وأقاربهم.

وأضاف أن "الحرب الأهلية الكبيرة" في سوريا ساعدت على تشتيت العائلات وقسمتها بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة مما يجعل الركون إلى شهادات المصابين لدى الطرفين غير سوي، ولا يوصل أي لجنة تحقيق مهما علا شأنها إلى نتيجة حاسمة.

  شبانة: هل فعلا تخلت دوائر القرار الأميركية عن الأسد واتخذت قرارا بإسقاطه؟(الجزيرة)
  شبانة: هل فعلا تخلت دوائر القرار الأميركية عن الأسد واتخذت قرارا بإسقاطه؟(الجزيرة)

معضلة كبيرة
وتحدث قهوجي عن أن تصريح ديل بونتي أوقع الجميع في "معضلة كبيرة" فإن صحت معطياتها فهذا يعني أن مخزون الأسلحة الكيمياوية بات بأيدي المعارضة المسلحة، وبالتالي فشل "خطط حماية هذا المخزون من الوقوع بأيدي الجماعات المسلحة" أما إن لم تصح فإن هذه التصريحات تهدف "للتشويش على أي جهد يقوم به الثوار وداعموهم الدوليون للتدخل الدولي أو تسليح المعارضة" بمعنى أنها تخدم النظام من ناحية وتحرج المجتمع الدولي.

واستبعد "نظرية المؤامرة" أو أن تصريحاتها مدفوعة الأجر لأنها "شخصية اعتبارية ومعروفة" وتؤدي عملها وتستنتج منه كما تراه دون زيادة أو نقصان.

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ماريمونت الأميركية غسان شبانة يذهب بتحليله إلى "المأزق" الذي ورط فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما إدارته السياسية والعسكرية فيه حين صرح أن "استخدام الأسد للكيمياوي خط أحمرلاعتقاده أن الرئيس السوري لن يُقدم على عمل كهذا".

وتابع أن تصريح أوباما الذي لم يستشر فيه مستشاريه السياسيين والأمنيين، أحد الأسباب الرئيسة للتردد الأميركي.

وأوضح أن الأوساط الأميركية مستاءة من "حذر أوباما وخوفه الزائد" من التدخل بسوريا و"إضاعته للهيبة العسكرية والاقتصادية لبلاد العم سام" وهذا ما ينعكس سلبا حتى على الأمم المتحدة، وأشار إلى أن تصريحات ديل بونتي لها تداعيات سياسية أكثر منها تقنية، لافتا إلى احتمال دفعها من قبل موسكو أو الصين للإدلاء بهذه التصريحات لإحراج واشنطن والغرب وأصدقاء الشعب السوري عبر القول بأن "حلفاءكم يضربون الكيمياوي، ماذا أنتم فاعلون"؟

وختم شبانة حديثه بسؤال: هل تخلت دوائر القرار الأميركية عن نظام بشار الأسد وهناك نية رسمية للإطاحة به؟ أم أن هناك أشياء تحت الطاولة لم تُكشف بعد، والحديث حول إسقاط النظام ودعم المعارضة يدخل ضمن بازار شعبي للاستجابة للضغوط الداخلية؟

المصدر : الجزيرة