شيء من الأمن لأطفال سوريا

في حلب على خطوط التماس بين المتقاتلين
undefined

لقاء مكي-حلب

لم يجد محمد أبو عبيدة ومجموعة من الشباب -منهم عمر وخطيبته روان- حلولا لمشكلة مدينتهم العريقة حلب التي تتداعى بفعل الحرب، فهم وإن كانوا ناشطين في الثورة فإنهم ليسوا مقاتلين يفرضون الوقائع، ولا هم بقادة سياسيين بمقدورهم توجيه الأحداث، ومع ذلك فقد اكتشفوا أن بإمكانهم عمل الكثير من غير أن يحملوا سلاحا، أو يخطبوا على منابر السياسة.

وجد هؤلاء الشباب أن فرصة سوريا الحقيقية هي في إنقاذ طفولة تذوي أمام أنظار العالم، وبدلا من النزوح والتعرض لآثار الحرب -ناهيك عن القتل في مذابح جماعية- لم لا تكون للأطفال فرصة للعيش الآدمي بحده الأدنى، وهكذا أنشأوا في حلب مؤسسة أسموها (جنى) وجعلوا شعارها (لأن أطفالنا هم جنى ثورتنا)، لتكون ذات أهداف تربوية وتعليمية لمساعدة ما تيسر من الأطفال على الاستمرار في الدراسة التي عطلتها الحرب.

ولن تقدم هذه المؤسسة حلولا سحرية لإنقاذ نظام التعليم المنهار بفعل القتال في سوريا، لكنها -كما يقول مديرها محمد أبو عبيدة- كانت محاولة تطوعية محضة لعمل شيء للناس ولا سيما للأطفال، وأمله أن تتكرر التجربة في أحياء ومدن مختلفة، لخدمة المزيد من ضحايا القتال.

حصص خاصة للرعاية النفسية في مدارس مؤسسة
حصص خاصة للرعاية النفسية في مدارس مؤسسة "جنى" (الجزيرة نت)

إنقاذ روح الطفولة
ويضيف أبو عبيدة -وهو شاب أنهى دراسته الجامعية- أن جذور الفكرة التي بدأت في حي من حلب -توسعت لاحقا لتشمل خمسة أحياء- هي توفير الفرصة والمناخ ليعيش الطفل السوري في وضع سوي، ومحاولة إخراجه من دائرة العنف التي باتت تشوه روحه، ولذلك فالمؤسسة حسب قوله لا تهدف للتعليم فحسب، بل تشمل أيضا رعاية الطفل نفسيا، وذلك بتخصيص حصة يومية للطلبة للأنشطة، ينشغل فيها الطالب بأعمال إبداعية تبقيه ضمن مدى عمره، ويتلقى أيضا دعما نفسيا خلالها.

والمؤسسة التي لها اليوم سبع مدارس ابتدائية ومعهدان لتعليم القرآن واللغة العربية، فضلا عن مدرستين للتحضير لامتحان الثانوية العامة، تقوم على العمل التطوعي لشباب وشابات من خريجي الجامعة أو من طلبتها، وإمكانياتها تأتي من تبرعات تنفقها على تجهيز الطلبة بالقرطاسية والكتب، وعلى تقديم مواد إغاثية لا سيما للأطفال الأيتام والفقراء، لكن التمويل يبقى -حسب مؤسسها- يمثل مشكلة، خاصة وأنهم رفضوا العمل تحت أية لافتة سياسية.

ومشكلة المدارس في حلب كما في كل سوريا متعددة الاتجاهات، فمن ناحية تعرض الكثير من المدارس للتدمير والأضرار بفعل القصف والمعارك، ومن ناحية أخرى قتل الكثير من المدرسين، أو انخرطوا في الجيش الحر، أو جندوا في الجيش النظامي، كما أن الذهاب للمدرسة في حال توفرها أصبح بحد ذاته أمرا خطيرا، تضطر الكثير من العوائل لتجنبه حفاظا على أولادها.

محمد أبو عبيدة: رفضنا العمل تحت خيمة أي حزب أو تشكيل (الجزيرة نت)
محمد أبو عبيدة: رفضنا العمل تحت خيمة أي حزب أو تشكيل (الجزيرة نت)

انهيار نظام التعليم
وحسب منظمة اليونسكو فإن هناك اليوم حاجة لتوفير فرص التعليم لنحو 150 ألف طفل في سوريا، وتقديم الخدمات النفسية لنحو 300 ألف آخرين، كما أن عشرات الآلاف من الأطفال لا ينتظمون في الدراسة، بسبب ظروف القتال، ومخاطر الذهاب للمدرسة، فضلا عن نقص التجهيزات، وانهيار نظام التعليم لا سيما في الريف.

ويؤكد أبو عبيدة أن مبادرته وزملاءه لا تخدم غير عدد محدود من الأطفال في أحياء معدودة من حلب، لكنه يستدرك بالقول، إن هذه هي إمكانياتهم، وهذا ما اهتدوا إليه، مؤكدا أن نحو ألف طفل أو يزيدون باتوا الآن منتظمين في الدراسة بمدارس المؤسسة التي تقع داخل أحيائهم.

ورغم أن بعض مدارس المؤسسة تقع في أحياء على خطوط التماس بين المتقاتلين، فإن وجودها بين بيوت الناس يبقي الأطفال بعيدين ولو نسبيا عن دائرة الخطر، ويمنحهم فرصة تلقي رعاية علمية ونفسية وتربوية، والاطمئنان على عدم ضياع المزيد من سنوات عمرهم بعيدا عن المدرسة.

ورغم أن أبو عبيدة يعرف أن هؤلاء الطلبة وأهليهم قد يكونون (محظوظين) لأنهم وجدوا فرصة لإكمال الدراسة، والتنعم بشيء من الأمن في غمرة الخوف، فإنه  يعرف أيضا أن الأمر يتكرر وسيستمر في بلاده، وهو يؤكد بأن أمثالهم كثيرون.

المصدر : الجزيرة