الشيخ حلبي شهادة حية لحيفا القديمة

الشيخ خير الدين حلبي:" الدروز جزء من شعبهمن رغم محاولات فرق تسد الإسرائيلية الموروثة عن الاستعمار البريطاني"
undefined
 
وديع عواودة-دالية الكرمل

بعض الناس يمنحهم الله طول العمر ولكنه لا يكون مصحوبا بالصحة أو بالذاكرة القوية، لكن الشيخ خير الدين حلبي من حيفا بفلسطين حباه الخالق بكل ذلك مجتمعا كما يقول شاكرا "هذا توفيق من الله".

وبفضل الذاكرة الفولاذية التي يتمتع بها بات الشيخ خير الدين نمر حلبي (أبو محمد) بمنزلة مؤرخ لبلدته دالية الكرمل قضاء حيفا بامتياز رغم بلوغه الـ98 فهو يحفظ كل أحداث القرية وتفاصيلها منذ عشرينيات القرن الماضي.

فما زال أبو محمد يتذكر احتفالات أهل بلدته بانتصار الثورة السورية الكبرى على فرنسا عام 1927 التي كما قال أحياها الشاعر دبس من جبل العرب في سوريا، وكان يعزف على الربابة وينشد في تلك الحفلات.

ويستغرق أبو محمد بعض الثواني لاستحضار الذكريات وينقل عن والده أن عائلته التي تنتمي للطائفة الدرزية قدمت من حلب واستقر بها المقام في حيفا عام 1811.

ويستذكر أنه وزملاءه درسوا في فلسطين المرحلة الابتدائية إبان فترة الاستعمار البريطاني كتبا صادرة عن وزارة التعليم المصرية.

ويشير إلى أن "العملة المتداولة وقتها كانت العملة المصرية إلى أن سك الجنيه الفلسطيني عام 1927، ولاحقا صار الناس يبدلون من الليرة المصرية ليرة فلسطينية وقرشين ونصفا".

إثراء الثفافة
ورغم أن أبو محمد لم يواصل دراسته الأكاديمية بعد المرحلة الابتدائية فإنه أثرى ثقافته العامة بمطالعة الأدب والتاريخ، ويعد المتنبي شيخ الشعراء العرب ويحترم كثيرا أمير البيان شكيب أرسلان.

صورة يحتفظ بها الشيخ الحلبي منذ 1940 لوفد من سوريا زار حيفا (الجزيرة نت)
صورة يحتفظ بها الشيخ الحلبي منذ 1940 لوفد من سوريا زار حيفا (الجزيرة نت)

ويتوقف عند المتنبي وابتسامة ترتسم على محياه ويستذكر مقولة الشاعر الراحل نجيب بيك الهواويني "كأن الشعراء يمشون على الأرض والمتنبي يمشي في السماء".

وفي سرده التاريخي يقول إن البريطانيين قدموا لفلسطين بحجة الانتداب، لكن هدفهم الحقيقي كان تهيئة الوضع لوطن لليهود.

ويتوقف عند محطات فاصلة في مسيرة الفلسطينيين، وينفي بشدة بعض الشائعات عن خلاف عميق بين الدروز وبقية الشعب الفلسطيني، مشددا على أنهم حافظوا على عروبتهم وانتمائهم للوطن رغم اعتماد بريطانيا "سياسة فرق تسد".

وهو في هذا يشير لمشاركة مناضلين عرب دروز كثر في النضال الفلسطيني، من أبرزهم القائد محمود أبو يحيى الذي استشهد ودفن بجانب قرية بلعة قضاء طولكرم.

كما يستذكر صداقات أهالي بلدته مع الشاعر الوطني عبد الرحيم محمود، ومع  القائد العام للثورة الفلسطينية عبد الرحيم الحاج محمد ( 1939-1936) من قرية ذنابا قضاء طولكرم.

المدينة المدللة
ويستعيد الشيخ الحلبي أيام مدينته المدللة حيفا ويصفها توددا بعدة ألقاب، فهي "أم الفقير" و"أم الخير"، ويضيف "هي مدينة أعطاها الله اسما جميلا، كانت أمنا وأبانا وما زلت أبكيها حتى اليوم، فهي مجمع الخلان وملتقى الأصدقاء".

ويستذكر أبو محمد الكثير من وجهاء حيفا في فترة الاستعمار البريطاني (1948-1918) ومنهم  رشيد الحاج إبراهيم والحاج خليل طه.

وينوه بأن ابنه دكتور طه دأب على استقبال المرضى من البلدة مجانا كل أسبوع داخل عيادته في مستشفى حمزة الذي بناه الطبيب اللبناني نايف حمزة في 1935 وحولته إسرائيل لمستشفى "رمبام" بعد نكبة 1948.

‪مصطفى كبها ( يسار): شهادة الحلبي تتسق مع المصادر المكتوبة‬  (الجزيرة نت)
‪مصطفى كبها ( يسار): شهادة الحلبي تتسق مع المصادر المكتوبة‬  (الجزيرة نت)

وشهد الاقتصاد بحيفا انتعاشا في تلك الفترة عقب إنشاء الميناء وسكك الحديد، حسب الحلبي، كما شهدت المدينة ازدهارا ثقافيا وكانت تصدر فيها تسع صحف ومجلات أبرزها "الكرمل" و"الاتحاد" إضافة إلى أن الصحف المصرية كانت تصلها بالبريد الجوي مرة كل أسبوع.

وكانت "الكرمل" التي كان يحررها نجيب نصار وزوجته ساذج نصار الصحيفة المفضلة عند الشيخ الحلبي.

ويحتفظ أبو محمد بكتب ووثائق وروايات تاريخية، ويحتفظ أيضا بوصل اشتراك والده بصحيفة "الصفاء أول جريدة درزية صدرت بلبنان في سنة 1886".

مصدر تاريخي
وفي تعليقه على شهادة الشيخ الحلبي يقول المؤرخ مصطفى كبها إنها تحمل رواية شفوية دقيقة تتساوق مع المصادر المكتوبة، لكنها لا تتماشى مع شائعات سائدة وأفكار مسبقة حول علاقات الدروز بشعبهم. وينوه في حديث للجزيرة نت إلى أن روايات الحلبي توفر معلومات غيبتها كتب التاريخ حول فلسطين.

وعن سر صحته وطول عمره يقول أبو محمد "هذا بتوفيق من الله لا بكثرة الطعام أو قلته، ومع ذلك يكشف أنه يحافظ على "علاقات طيبة جدا" مع العسل وزيت الزيتون، موضحا أنه لم يدخن ولو سيجارة واحدة في حياته.

ويشير نجله بشير إلى أن والده يعتاد المشي في محيط البلدة الجبلية والمحاطة بالغابات نحو أربعة كيلومترات كل يوم، ويضيف "حينما لا يتمكن من المشي يشعر بالإرهاق".

المصدر : الجزيرة