الحافلات الخشبية.. آخر ملامح البصرة التراثية

باص خشب يعود للخمسينيات
undefined
عبد الله الرفاعي-البصرة

 
على الجانب الغربي من شارع بشار بن برد بمركز مدينة البصرة خصص مرآب بسيط لسيارات يطلق عليها محليا حافلات الخشب، والتي بدأت تتوارى عن الأنظار لشيخوخة سائقها وتوفر بدائل أكثر إغراء للركاب.
 
وإلى حد قريب كانت عشرات الحافلات التي تصنع أطرافها العلوية من الخشب تجوب شوارع البصرة قبل أن تغص بمختلف موديلات السيارات القادمة من كردستان العراق وإيران.

ويقول الباحث صباح الجزائري إن باصات الخشب صناعة عراقية تعود للعقد الثاني من القرن العشرين وبالذات بعد الحرب العالمية الأولى وخروج القوات البريطانية من البلاد.

آليات وهياكل
ويوضح الجزائري أن تلك القوات تركت بعض آلياتها في مواقعها العسكرية فصمم لها الأهالي هياكل خشبية ونوافذ زجاجية واستخدموها في نقل الطابوق من محافظة العمارة ومناطق بشمال البصرة.

‪الجزائري: حافلة الخشب ما زالت تقاوم الزمن وتحاول جاهدة أن تبقى ملازمة للشارع‬  (الجزيرة)
‪الجزائري: حافلة الخشب ما زالت تقاوم الزمن وتحاول جاهدة أن تبقى ملازمة للشارع‬ (الجزيرة)

ويلاحظ أن حافلة الخشب ما زالت تقاوم الزمن ويحاول جاهداً أن يبقى ملازماً للشارع مستأنسا بركاب يحتفظون بذكريات عنها.

وفي خمسينيات القرن الماضي، احتضنت البصرة عددا من وكالات السيارات البريطانية والأميركية، وكانت تستورد موديلات تعرف محليا بأسماء الفيسكول والزفير والهمبر والفورد.

أما سيارات "الشوفرليت" فكانت تستورد هياكلها الحديدية فقط وتصنع أجزاؤها العلوية محلياً من خشب الساج والمقاعد المغلفة بالإسفنج والجلد، على أن تتسع 18 لـ راكباً.

وقد اشتهرت عائلة بيت الشواف بهذه الصنعة حيث كان أبنائها حسن وعبد الوهاب يديران معملاً صغيراً لصناعة الهياكل الخشبية.

وعادة يضع المعمل قصعة معدنية داخل السيارة نقشت عليها عبارة "تم صنع البودي من قبل عبد الوهاب الشواف وإخوانه".

كذلك كانت محافظة النجف تصنع حافلة مشابهة لكنها أكبر حجما ويطلق عليها "دك النجف"، وقد استخدم في سنوات متأخرة لنقل المواشي بين المحافظات.

البصرة وأطرافها
ويقول الجزائري إن حافلة الخشب كانت وسيلة النقل الوحيدة بين مركز البصرة وأطرافها، وتتميز برخص تسعيرتها.

‪حمادي: أقود حافلة خشبية يعود صنعها لـ1958 ولا تزال قوية‬ (الجزيرة)
‪حمادي: أقود حافلة خشبية يعود صنعها لـ1958 ولا تزال قوية‬ (الجزيرة)

سعيد جعفر حمادي (65 عاما) يسوق واحدا من الباصات الخشبية يعود صنعه لـ 1958، ويقول إنه قوي وقادر على تحمل السير على الطرق الرملية.

حمادي – الذي عمل في هذه المهنة منذ صباه مع والده- يتذكر أن السائقين كانوا خلال هطول الأمطار يضعون سلاسل حديدية صغيرة حول إطارات الباص منعاً لانزلاقها ويتعاون الركاب في دفعها اذا انغرزت في الحفر.

ويذكر حمادي -الذي قال إنه يستمتع بمهنته- أن أقصى سرعة لتلك الباصات كانت 90 كيلومترا في الساعة.

ويقول إن السائقين كانوا يحرصون على نظافة حافلات الخشب وأن يزينوها ببعض الإكسسوارات والكتابات، بينما يطلق بعضهم عليها أسماء مثل المحروسة وبهية والسمرة.

ويعمد بعض السائقين لكتابة عبارات أسفل الحافلات الخشبية من قبيل "عين الحسود فيها عود" و"لا تلحقني مخطوبة" و"لا تسرع يا بابا نحن بانتظارك".

ويقول حمادي إن كثيراً من حاقلات الخشب توقفت عن العمل بسبب استخدام لوحاتها للسيارات لأخرى لعدم توفر اللوحات عند شرطة المرور.

ويضيف أن المحطات التلفزيونية تؤجر هذه الحافلات في بعض الأحيان لاستخدامها في برامج رمضان وتصوير المسلسلات، لكونها تعد تراثية.

المصدر : الجزيرة