غزة في عيون معتقلين عانقوا الحرية

جانب من استقبال احد الأسرى المحررين في مدينة خانيونس
undefined

أحمد فياض-غزة

أبهرتهم حرارة الاستقبال، وهالهم حجم التغيير، لكن أحزنهم غياب التكافل وتهتك النسيج الاجتماعي.. هذه أبرز الانطباعات عن غزة في عيون أبنائها المحررين ممن غيبوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من عقدين من الزمن، وخرجوا قبل أقل من شهر بموجب تفاهمات استئناف المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية. 

ويستشف من الحوارات التي أجرتها الجزيرة نت مع ثلاثة من المحررين أن الجميع تفاجأ بحجم الازدحام السكاني والتمدد العمراني الذي بدا طاغيا على مساحات واسعة من أراضي قطاع غزة.

ويحاول المحررون الذين لا يزالون متأثرين بالحياة داخل السجن، البحث بين دروب القطاع عن كل ما من شأنه أن يعيد إليهم ذكرياتهم الجميلة قبل أكثر من عشرين عاما.

ويقر المحررون بفشلهم في استعادة الكثير من الذكريات نتيجة تغير نمط حياة سكان القطاع، وتآكل المساحات الخضراء بفعل الزحف العمراني عليها، وتعرضها للتجريف والجفاف بفعل اعتداءات قوات الاحتلال، وزيادة نسبة ملوحة المياه التي أهلكت الكثير من البساتين.

‪شبير أكد أنه لمس تغيرا سلبيا‬ شبير أكد أنه لمس تغيرا سلبياطرأ على النسيج الاجتماعي (الجزيرة نت)
‪شبير أكد أنه لمس تغيرا سلبيا‬ شبير أكد أنه لمس تغيرا سلبياطرأ على النسيج الاجتماعي (الجزيرة نت)

مجتمع مختلف
وبحسب إفادات المحررين فإن الكثير من مظاهر التعاضد والتكافل التي كانت تسود المجتمع الغزي إبان الانتفاضة الأولى (نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات) لم تعد تحتل مكانها في المشهد الاجتماعي هذه الأيام.

ويؤكد المحرر حازم شبير (39 عاما) -وهو من مدينة خان يونس جنوب القطاع- أنه رغم ما حظي به من استقبال حار من قبل كل مكونات الشعب الفلسطيني، فإن نبرات حديث الناس تشي بأن تفككا ما طرأ على النسيج الاجتماعي بفعل الخلافات السياسية والميول الفصائلية.

وأضاف أنه تفاجأ بعد خروجه من السجن بغياب كثير من الأماكن التي كان دائم الشوق لرؤيتها وهو داخل السجن، مشيراً إلى أن معظم الأماكن والبساتين التي كان يرغب أن يعيد من خلالها أجمل أيام حياته غابت عن المشهد تماما وحلت محلها المباني والعمارات.

وذكر المحرر شبير أن من بين الأشياء التي لفتت انتباهه بعد عشرين عاما على تحرره من الأسر، هي الازدحام الشديد في الطرقات والشوارع وتشابك المركبات والمشاة داخل مدن القطاع.

ولفت إلى أن مياه غزة تطغى عليها الملوحة والطعم المائل إلى المرارة، بحيث لم يعد يشرب من الصنبور مثلما كان عليه الحال قبل أسره، مستغربا شراء الناس ماء الشرب من الباعة.

ويشعر شبير أن طعم الفاكهة والخضار في غزة تغير، فطعم الصبار وفواكه الحمضيات التي تناولها بعد تحرره لم تعد بذات المذاق اللذيذ الذي تعود عليه قبل عشرين عاما.

أما المحرر أحمد الداموني (43 عاما) الذي أمضى أكثر من 23 عاما في الأسر، فلا يرى غزة بعيدا عن أجواء السجن، مدللا على ذلك بقوله "إن الإهمال الطبي الذي يعاني منه الأسرى هو الإهمال ذاته الذي  يعاني منه أهل غزة، ولذلك نحن خرجنا من سجن صغير إلى سجن أكبر مساحة".

عمر مسعود أوضح أنه كان دائم الشوق لمعانقة تراب فلسطين بحرية(الجزيرة نت)
عمر مسعود أوضح أنه كان دائم الشوق لمعانقة تراب فلسطين بحرية(الجزيرة نت)

تفاصيل المعاناة
وأضاف الداموني أنه بدأ يتلمس تفاصيل معاناة الناس الناجمة عن الحصار والكهرباء والماء واستشراء البطالة شيئا فشيئا، "وهو ما أوصلني إلى قناعة راسخة في نفسي بأن المعاناة خلقت لأهل غزة وباتت صفة ترافقهم على الدوام".

وأسوة برفاقه المحررين، بدا المحرر عمر مسعود الذي أمضى 21 عاما في الأسر مستغرباً من المنازل المتعددة الطبقات التي باتت تطغى على البيوت الصغيرة في مخيم جباليا للاجئين، مشيراً إلى أنه كان يعرف أن هناك تغييرا على حال المخيم ولكنه لم يكن يتوقع هذا العدد الكبير من المباني المكتظة والمرتفعة.

وأضاف أنه في داخل السجن كان دائم الشوق للحرية بغض النظر عن الشكل الذي ستبدو عليه غزة، مشيراً إلى أنه كان يتمنى أن يفتح باب السجن بيده ولتذهب به قدماه إلى أي بقعة في أرض فلسطين، كي يتخلص من قهر وقمع السجان الذي يتحكم في كل مكونات حياته داخل السجن.

المصدر : الجزيرة