العنف أغرق العراقيين في الأحزان
فاضل مشعل-بغداد
سجن وتشرد
أما ابنتها منيرة (18 عاما) فتسرد جانبا آخر من مأساة الأسرة، وتقول "تركت الدراسة وتزوجت رجلا يكبرني بعشرين عاما، بينما سلك اثنان من أشقائي الصغار (9 و11 سنة) طريقا غير مستقيم، فسجن الأكبر بتهمة السرقة، وأجبرت أمي شقيقي الأصغر على البيع على الرصيف حتى تجد العائلة ما تقتات به".
عائلة أم كريم ليست وحدها من عصفت به أحوال العراق بعد عام 2003، فتبخرت الأحلام وتشتت الشمل، وتفشت سلوكيات غريبة عن المجتمع العراقي.
ويقول أبو خالد، وهو صديق لعائلة أم كريم منذ زمن بعيد "لا تخلو عائلة عراقية من المآسي، وصور الحزن والمعاناة، من هجرة إلى الخارج أو فقدان أحد أفراد العائلة أو إصابته بعاهة دائمة جراء حوادث الانفجار والقتال، وأدخلت على المجتمع العراقي مظاهر جديدة أغرقتها في الأحزان، ونسيت الأسرة العراقية كيف تفرح".
ولا يختلف رأي أستاذ علم النفس بالجامعة المستنصرية د. عادل غافل كثيرا عن رأي أبو خالد في تفسير ظاهرة الحزن الذي خيم على العراقيين، وسلبهم القدرة على الفرح الذي كان طابع حياتهم لأجيال.
ويفسر د. غافل ذلك للجزيرة نت بقوله "السبب هو التشتت العائلي سواء كان هذا التشتت مباشرا أي عند فقد أو إصابة أحد أفراد الأسرة، أو غير مباشر عندما ينتقل الحزن إلى الفرد جراء الحالة العامة التي تمر بها البلاد".
وتابع "لا يمر يوم دون أن يسقط العشرات من القتلى ويصاب العشرات بجراح، ويتحول العشرات إلى أيتام أو أرامل وآخرون إلى معاقين. هذا سبب كاف للحزن".
وبين ما يراه أبو خالد وما يفسره د. غافل، تستمر أم كريم وسواها تتنقل بين سجن لتفقد ابنها الأوسط، وسعي محموم لتدبير لقمة العيش، هكذا أصبح الحزن رفيق العائلة الدائم، الذي خلف جيلا قلقا مشتتا.
ولا تعرف أم كريم وسواها ما الذي ستترك أعوام الحزن على أبناء الأبناء الذين سيولدون وسط الدخان والمفخخات وحالات التأهب التي لا تنفك تفرض ظلالها السوداء على الناس بالعراق منذ أربعة عقود متتالية.