"كعك القدس".. تراث يتحدى الاحتلال والتهويد

عروض غنائية تربوية لإسعاد الأطفال بالقدس
undefined

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

"هجروا شعبنا وصادروا أرضنا وعقاراتنا، ويريدون سرقة تاريخنا وتراثنا وحضارتنا لنزع الهوية العربية عن المدينة المقدسة وتغييب الوجود الفلسطيني".. هذا ما قالته بحماسة للجزيرة نت المربية المتقاعدة إيفيت نصار التي تتطوع بتعليم "فن الطبخ الشعبي المقدسي"، مؤكدة أن المأكولات الشعبية الفلسطينية جزء من الهوية والتراث ووسيلة للتشبث بالوطن.

فالمأكولات الشعبية الفلسطينية في القدس المحتلة من بين الأشياء القليلة التي وقفت ضد التهويد الذي تمارسه سلطات الاحتلال التي فشلت -رغم محاولاتها المتواصلة- في الاستحواذ على "الفلافل" و"الحمص".

وتدأب نصار التي شقت مشوارها بالتطوع للحفاظ على المأكولات الشعبية المقدسية من خلال "جمعية حاملات الطيب الأرثوذكسية"، على المشاركة في المهرجانات والفعاليات الهادفة إلى تعميق الوعي بمفهوم التراث والهوية.

وتقدمت بمنتجات المطبخ الفلسطيني للأكشاك والبازارات التي توافدت إلى مهرجان "كعك القدس" الثالث الذي تحوّل إلى ملتقى تقليدي حضاري وثقافي للعائلة المقدسية.

لكن "كعك القدس" -حسب نصار- سلاح يستمد قيمته الوجودية من الماضي بإعادة الهيبة والقوة إلى المطبخ الشعبي المقدسي المتجذر في أرضه ووطنه، فالكعك كالمأكولات الشعبية ترمز إلى حكاية شعب تمتد بعبق التاريخ وتترسخ بالتراث والحضارة.

تراث وهوية
وعلى خطى نصار، سارت هالة جهشان التي وصلت بها رحلة التشريد والتهجير من عكا إلى القدس، حينها أيقنت أهمية الحفاظ على التراث لصقل الهوية الجماعية وترسيخ جذور الانتماء إلى الأرض.

المربية المتقاعدة إيفيت نصار تعرضمأكولات شعبية في
المربية المتقاعدة إيفيت نصار تعرضمأكولات شعبية في "كعك القدس" (الجزيرة نت)

وعانت جهشان هواجس الغربة التي رافقتها بعدما أوصلتها فصول النكبة وعائلتها إلى لبنان، واختارت العودة إلى جزء من الوطن المسلوب، واستقرت بالقدس. واستعرضت للجزيرة نت تجربتها من خلال نشاطات "جمعية حاملات الطيب"، في تدعيم صمود العائلة المقدسية بإحياء مشاريع تراثية وفلكلورية.

وأحدثت الانتفاضة الأولى قفزة نوعية في عمل الجمعية بالحفاظ على النسيج الاجتماعي المقدسي من خلال مشروع التطريز الذي انضم إلى المأكولات الشعبية التي تحمل إرثا ثقافيا وكنزا تراثيا ودلالات ترمز إلى الهوية الفلسطينية التي تتحدى مخططات التشويه والتهويد.

وتُولي جهشان أهمية لهذه المشاريع لأنها تعزز الانتماء والروابط والتكافل الاجتماعي بالقدس خاصة وفلسطين عامة.

وتؤكد أنها تعبّر عن لحمة وطنية وتآخ إسلامي مسيحي، وتعبر عن مشاعر وأحاسيس بتدعيم المرأة الفلسطينية ومنحها تثقيفا وطنيا بتعزيز الانتماء الذي تورثه إلى جيل المستقبل، "لتتحطم عليها مؤامرة الاحتلال الهادفة إلى النيل من التراث والثقافة والهوية".

صراع وتحديات
وحفاظا على الهوية الجماعية للأجيال الناشئة، جاءت حركة "عايشه يا قدس" بنبض الحراك الشبابي، واستلهمت انطلاقتها من الربيع العربي لتعيد إلى الواجهة من خلال مهرجان "كعك القدس" معركة التراث والهوية نحو مسيرة تعزيز الانتماء الوطني والقومي.

العلمي: نخوض معركة التراث والهويةنحو مسيرة تعزيز الانتماء الوطني (الجزيرة نت)
العلمي: نخوض معركة التراث والهويةنحو مسيرة تعزيز الانتماء الوطني (الجزيرة نت)

واختير "الكعك" كما أوضح منسق الحركة مصطفى العلمي، لما يحمله من دلالات ورموز تراثية وثقافية ارتبطت بعروبة المدينة على مر العصور، لافتا إلى أن مئات العائلات ما زالت تعتاش من بيع الكعك والمأكولات الشعبية التي تحولت إلى أهم وسيلة للصمود والبقاء، ولهذا "جاء المهرجان لإنعاش الحياة الثقافية والإسهام في الحفاظ على التراث وترسيخه بالأذهان". 

وتحدث العلمي للجزيرة نت عن فكرة ودوافع إطلاق حركة "عايشه يا قدس" بالقول إن الحياة الثقافية والفنية غابت عقب الانتفاضة الثانية بسبب تضييق الاحتلال الذي طال المسرح والجمعيات الفنية والاجتماعية بمنعها من إحياء المناسبات الوطنية.

وإزاء هذا، انطلقت الحركة من عمق المعاناة وسط مشهد الصراع على الهوية والوجود والتحديات التي تواجه العائلة المقدسية بمساومتها على لقمة العيش والمسكن.

ويسعى العلمي -وهو من جيل الانتفاضة الأولى- لإنجاح المشروع عبر نشر المحبة وشعور الانتماء إلى القدس بين الأجيال الناشئة التي تهددها مشاريع تهويدية عبر منهاج التعليم لتشويه الهوية المقدسية والذاكرة الفلسطينية، وإيجاد الأطر التربوية والترفيهية للأطفال الذين سلبهم الاحتلال فرحتهم وحرمهم أبسط حقوقهم.

المصدر : الجزيرة