غازي صلاح الدين طبيب استدرجه وجع السودان للسياسة

غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية
undefined

مجدي مصطفى

قليل هم الأطباء الذين استهوتهم السياسة في الخبرة العربية، وقليل من هذا القليل من ساقته الأقدار إلى تبوّؤ منصب سياسي كالحالة النادرة للرئيس التونسي منصف المرزوقي، الذي جاء عقب نجاح أولى ثورات الربيع العربي. لكنها في طبعتها المصرية بدت بخيلة على طبيب آخر هو عبد المنعم أبو الفتوح الذي لم يحالفه الحظ في الانتخابات الرئاسية التي أعقبت الثورة.

وفي العالم الثالث يحفظ التاريخ اسمي طبيبين الأول أرنستو تشي جيفارا الذي ارتبط اسمه بالثورة الكوبية فأصبح رمزا ثوريا طبقت شهرته الآفاق، والثاني محاضر محمد الذي قاد نهضة بلاده ماليزيا بتجربة حكم فريدة تجسد القدرات السياسية لطبيب حملها مشخصا ومعالجا.

وفي السودان الذي عانى ولا يزال مختلف أوجاع السياسة منذ الاستقلال وحتى الآن نجد أطباء برزوا في عالم السياسة أبرزهم الجزولي دفع الله الذي اختير رئيسا لوزراء الحكومة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة أبريل/ نيسان عام 1985.

ولد غازي صلاح الدين متولى محمد العتباني في أم درمان عام 1951 وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بالجزيرة وسط السودان قبل الانتقال للدراسة بمدرسة الخرطوم الثانوية القديمة، وبعدها بكلية الطب بجامعة الخرطوم من عام 1970 حتى 1978

وإلى جانب دفع الله نجد اسمين آخرين بزغا مع "ثورة الإنقاذ" هما مصطفى عثمان إسماعيل، الذي شغل منصب وزير الخارجية مدة سبع سنوات، وغازي صلاح الدين العتباني الذي فصله حزب المؤتمر الوطني الحاكم من صفوفه مؤخرا ضمن قياديين آخرين في الحزب.

مسيرة وتكوين
لم يشفع التاريخ الطويل لغازي ورفاقه المفصولين الذين يوصفون بالإصلاحيين أو "السائحين" والذين سبق أن أطلق عليهم لقب "الدبابين" نسبة إلى مجموعة من المقاتلين شاركوا في ما عرف بحرب الجنوب نهاية الثمانينيات وحتى اتفاقية نيفاشا في يناير/ كانون الثاني عام 2005، ويقال إن سبب التسمية أنهم كانوا يهاجمون الدبابات بأسلحة فردية.

من عرف غازي صلاح الدين عن قرب يشهد له بسعة وعمق الثقافة والاطلاع، والقدرة على الكتابة الرصينة فضلا عما يتمتع به من لباقة ورصانة ودقّة العبارة، تبدو نتاجا لاهتماماته المبكرة بالسياسة والشأن العام، وتسجيله مواقف مبكرة في هذا الشأن لم يتردد في القبول بنتائجها.

ولد غازي صلاح الدين متولى محمد العتباني في أم درمان عام 1951 وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بالجزيرة وسط السودان قبل الانتقال للدراسة بمدرسة الخرطوم الثانوية القديمة، وبعدها بكلية الطب بجامعة الخرطوم من عام 1970 حتى 1978، وخلال دراسته الجامعية كان مشغولا بالعمل العام وانتخب عضوا باتحاد طلاب جامعة الخرطوم حيث عرف بنشاطه الملحوظ في الاتحاد.

بسبب نشاطه السياسي تعرض غازي صلاح الدين للفصل من كلية الطب مدة عامين بعد مشاركته في محاولة تغيير الحكم في يوليو/تموز عام 1976 التي عُرفت بـ"عملية المرتزقة" كما وصفها إعلام الحكومة وقتها.

اختير فور تخرجه مساعد تدريس بنفس الكلية قبل أن يُبتعث إلى بريطانيا للدراسة العليا حيث نال درجة الماجستير في الكيمياء الحيوية، ثمّ دكتوراه في الطب من جامعة "جليفورد"، وهناك انتخب ضمن الهيئة التنفيذية لاتحاد الطلاب المسلمين بالمملكة المتحدة, وإبان وجوده هناك تقلد رئاسة المؤسسة الإسلامية بلندن.

عاد غازي إلى بلاده ليعمل أستاذا في كلية الطب بجامعة الخرطوم عام 1985، وانغمس السياسي الطبيب في هموم وطن يعاني مختلف أنواع العلل والأوجاع السياسية التي تستلزم البتر في بعض الحالات خصوصا ما حدث مع ملف الجنوب قبل ثلاثة أعوام ليفقد السودان لقب "أكبر الدول العربية مساحة".

بعد قيام ثورة الإنقاذ، قادت العتبات الجديدة العتباني إلى شغل منصب وزير دولة ومستشار سياسي لرئيس الجمهورية عمر البشير في الفترة من عام 1991 وحتى عام 1995، حيث عين وزير الدولة بوزارة الخارجية 1995. ثم عين أمينا عاما للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) في الفترة من يناير/ كانون الثاني 1996 حتى فبراير/ شباط 1998 وشغل وقتئذ منصب وزير الإعلام والثقافة من عام 1998 حتى فبراير/ شباط عام 2001. وفي الفترة من يونيو/ حزيران 2001 حتى ديسمبر/ كانون الأول 2003 عين مستشار رئيس الجمهورية لشؤون السلام.

يرى العتباني أن اتفاقية نيفاشا أسوأ اتفاقية في تاريخ السودان، وأن الذين وقعوها يتحملون وزر انفصال الجنوب

مواقف
عرف عن غازي موقفه الرافض لانفصال الجنوب وخلال توليه ملف المفاوضات مع الحركة الشعبية كان يدعو إلى فترة انتقالية للجنوب لا تقل عن عشر سنوات لكن هذه الفترة اختزلت إلى ست سنوات بعد سحبه من قيادة التفاوض وتعيين علي عثمان محمد طه بدله لقيادة التفاوض مع الحركة الشعبية بطب من الوسطاء.

سبق للعتباني أن سجل اعتراضه على اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجنوب السودان التي يقول عنها "ثبت أنها أسوأ اتفاقية في تاريخ السودان، والذين وقعوها يتحملون وزر انفصال الجنوب".

وبعد أن ترك منصب مستشار للبشير اتجه إلى العمل البحثي فترأس مجلس إدارة "مؤسسة اتجاهات المستقبل" التي أسسها بعد استقالته من القصر الجمهوري نهاية عام 2003.

ترأس كتلة المؤتمر الوطني في المجلس التشريعي (البرلمان) وكان مسؤول أهم ملفين سياسيين هما ملف إدارة الحوار مع أميركا وملف حل مشكلة دارفور.

بعد استبعاده من رئاسة الكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني قاد مجموعة إصلاحية داخل الحزب الحاكم عرفت باسم "السائحين"، لكن هذه المجموعة كان مصيرها الفصل من الحزب على خلفية الاضطرابات الأخيرة.

يبدو حال العتباني كحال الطبيب الذي يحاول البعض إبعاده قبل أن يكتب الوصفة العلاجية، فيقاوم متلفظا بها, عل المريض يستمع فيسجل. لكن العتباني يشكو هو الآخر من "محاولات لتكميم الأفواه وحجب الرأي المستقل"، ويرى أيضا أن هناك "نسقا يؤدي إلى إقصاء كل من له رأي وكل من له إرادة".

لكن ضمير العتباني جعله -على ما يبدو- يصرخ مسجلا مواقف ليست على هوى قيادات الإنقاذ منها موقفه من قضية عدم دستورية ترشيح الرئيس و"قضية قتل الناس في الشارع من جهة غير معلومة كما قال أعضاء بالحكومة".

كما يرى أن المحاسبة "يجب أن تبدأ بـ30 يونيو/حزيران 1989 وهو تاريخ انقلاب ما يعرف بثورة الإنقاذ الوطني بقيادة عمر البشير.. وهناك أحداث جسام مرت بالبلاد، وقادة تسببوا في كوارث، وأدخلوا البلد في الأجندة الدولية.. قسموه وأشعلوا نار الحرب".

ويلخص غازي صلاح الدين -الذي يحمل اسمه شجنا تركيا يمتد إلى عصر الفتوحات- موقفه من الحزب الحاكم الذي يعتبر قرار فصله منه "باطلا" بقوله في حوار مع الجزيرة نت "المؤتمر الوطني أنشئ ليكون حزب الشعب، وهو الآن حزب الحكومة" مؤكدا أن "ما يفتقده السودان هو الوحدة الوطنية".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية