العراق.. حراك بالشارع وجمود بالسياسة

Ramadi, -, IRAQ : Anti-government protesters demonstrate after the weekly Friday prayer in the western Iraqi city of Ramadi on January 18, 2013. Thousands of Sunni Muslims took to the streets of the capital Baghdad and other parts of Iraq on to decry the alleged targeting of their minority, in rallies hardening opposition to the country's Shiite leader. AFP PHOTO/AZHAR SHALLAL
undefined

أحمد السباعي

لا يكاد يمر يوم على العراق إلا وتتصدر أخباره وكالات الأنباء، فمن انفجارات واغتيالات ومفخخات تحصد عشرات القتلى والجرحى، إلى تأزمات وإخفاقات واحتقانات سياسية يتخوف الكثيرون من انعكاساتها على الشارع تُعيد بلاد الرافدين سيرتها الأولى في العنف وعدم الاستقرار الأمني.

وجاء خبر إخفاق الكتل السياسية في الاتفاق على حل للأزمة العراقية وتلبية مطالب المتظاهرين المعتصمين منذ نحو ثلاثة أسابيع احتجاجا على سياسات الحكومة، ليكشف حجم الهوة وأزمة الثقة بين "الشركاء" في العملية السياسية وفي تشكيل الحكومة.

واتهمت القائمة العراقية مكونات في قائمة التحالف الوطني بالمسؤولية عن عدم الاستجابة لمطالب المحتجين، المتمثلة بإلغاء قانون المساءلة والعدالة إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف العمل بالمادة "4" إرهاب. وقالت القائمة العراقية في بيان لها إن الاحتجاجات مستمرة، وإن هناك فرصة أخيرة وسقفا أخيرا لقبول "مطالب الشعب العراقي".

وعن هذا الاجتماع يقول عضو ائتلاف دولة القانون خالد الأسدي، إنه ليس هناك إخفاق لأن ممثلي القائمة العراقية لم  يشاركوا بالاجتماع الثاني للقوى الوطنية رغم حضورهم اجتماع اللجنة الخماسية، ويعود ذلك لعدم الاتفاق على بعض القضايا لأن ممثلي القائمة العراقية يشعرون بالحرج بعد تأكيد المتظاهرين أن هؤلاء لا يمثلونهم، وأضاف أن الحوار والمفاوضات تخضع لعدة اعتبارات بينها قانونية ودستورية، إضافة إلى أن البحث عن حلول للقضايا القانونية يحتاج لوقت ودقة في التعاطي معها.

وأوضح الأسدي أنهم يرفضون -حالهم حال مؤيديهم- عودة القاعدة وإطلاق سراح "القتلة والمجرمين" الذين تطالب بإطلاقهم القائمة العراقية، وعودة حزب البعث إلى الحياة السياسية. وعبر عن احترامه لمطالب المحتجين مؤكدا أن الحكومة تعاملت بإيجابية معها واستجابت لها، ولكن المطالب التي تتعارض مع مصالح البلاد والعملية والسياسية والدستور سترفض دون تفكير.

واعتبر أن الظروف السياسية التي تمر فيها البلاد حساسة ومعقدة ويجب على الجميع تحمل المسؤولية، لكن هناك بعض السياسيين يعمل على استغلال مطالب المحتجين لتحقيق مكاسب انتخابية وسياسية، والبعض الآخر يريد دفع البلاد لصراع طائفي خبره العراق ولمس نتائجه الكارثية، لافتا إلى أن المتظاهرين في الأنبار والموصل وغيرها بدؤوا يشعرون بخطورة تسلق البعض والدخول على خط المظاهرات.

‪الأسدي: نرفض عودة القاعدة وإطلاق سراح
‪الأسدي: نرفض عودة القاعدة وإطلاق سراح "القتلة والمجرمين" وعودة حزب البعث للحياة السياسية‬ (الجزيرة)

هيمنة وإقصاء
في المقابل، أكد المستشار السياسي والإعلامي للقائمة العراقية هاني عاشور أن العديد من المشاكل الحاصلة اليوم تكمن في الدستور العراقي، إضافة إلى تراجع الكتل السياسية وخاصة دولة القانون عن تنفيذ الاتفاقات السياسية التي شكلت الحكومة على أساسها، وخاصة اتفاقية أربيل.

وأهم من كل ذلك -يتابع عاشور- هي الخروقات المتعمدة للدستور الذي يفصل بين السلطات الثلاث، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وهو ما ظهر جليا في قضية المعتقلين وغيرها من القضايا، ناهيك عن هيمنة دولة القانون على الحراك والمشهد السياسي في البلاد، مما سبب تهميشا واضحا لباقي مكونات الشعب.

وأضاف أن التوافقات السياسية والدستور العراقي -الذي يُجمع الجميع على أنه يضم ألغاما- لن تأتي بحلول، ولكن اعتماد مبدأ الديمقراطية الحقيقية والشراكة الوطنية قد ينقذ البلاد.

وأشار إلى أن المادة 142 في الدستور العراقي تُوجب تعديل الدستور خلال أربعة أشهر، وهي متوقفة منذ سبع سنوات، ولا بد من إجراء تعديلات ومراجعات في الدستور بمقدمتها قانون المساءلة والعدالة. إضافة إلى المادة "4" إرهاب التي وترت الأجواء في البلاد وظهرت عام 2005 عندما كان الوضع الأمني سيئا جدا في العراق، والحكومة تقول إن الوضع الأمني يتحسن وهو شبه مستقر فلماذا إبقاء هذه المادة "كسيف مسلط على بعض القوى السياسية والفئات الاجتماعية؟".

أما المتحدث باسم كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري ناجي عبود، فأكد أنه تم الاتفاق على قضايا والاختلاف على أخرى ووضعت خارطة طريق لحلها ووضعها على السكة القانونية، ومن بين هذه القضايا كانت مطالب القائمة العراقية بأن تشمل المادة "4" إرهاب الذين قبض عليهم بالجرم المشهود وإطلاق سراح الباقيين، وهذا ما رفضته الكتل الباقية التي أصرت على عدم الإفراج عن المحكومين.

وأضاف أن كتلته ستسعى لتقريب وجهات النظر وتقديم حلول واقعية مقبولة من الطرفين، لأن بقاء هذه الأمور معلقة قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة.

وخلص عبود إلى أنهم يعولون على المعتدلين في الشعب العراقي ووعيه، وعلى المرجعيات الدينية والمشايخ لتأثيرهم على الساسة والشارع العراقيين لحل الأزمة، وكشف عن أزمة ثقة وهوة كبير بين الساسة الذين إذا فشلوا فإن الصراع سينتقل مباشرة إلى الشارع.

النائب الأول لمحافظ صلاح الدين: المتظاهرون لا يطالبون بإلغاء العملية السياسية والإفراج عن "الإرهابيين" من السجن وعودة حزب البعث إلى العمل السياسي، لكنهم يطالبون باستقالة الحكومة لأنها "غير عادلة" في تطبيق القوانين على العراقيين

الشارع يفاوض
وعلى ضفة الاحتجاجات، عبر أحمد عبد الجبار الكريم، النائب الأول لمحافظ صلاح الدين، عن خيبة أمل الحكومة المحلية جراء إخفاق اللجنة الخماسية في التوصل لحلول أو تنفيذ مطالب المعتصمين الذين شدت هذه الخيبة من أزرهم وعزيمتهم كما زادتهم  قوة وعددا.

ونفى الكريم مطالبة المتظاهرين بإلغاء العملية السياسية والإفراج عن "الإرهابيين" من السجن وعودة حزب البعث إلى العمل السياسي، لكنهم يطالبون باستقالة الحكومة لأنها "غير عادلة" في تطبيق القوانين على العراقيين وخصوصا قانون المساءلة والعدالة الذي يطبق فقط على السنة دون الأكراد والشيعة، أما المادة "4" إرهاب،  فالمتظاهرون يطالبون بتعديلها لأنها كقانون المساءلة والعدالة يطبق على السنة فقط.

وأكد أن السياسيين الذين يفاوضون الحكومة ودولة القانون لا يمثلون المتظاهرين، وإنما هناك لجان شعبية مخولة بالتفاوض مع حكومة بغداد، وهذا ما حدث مع حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء الذي اجتمع مع هذه اللجان في محافظة صلاح الدين واستمع لمطالبهم.

وأوضح أن هذا الجمود السياسي سينعكس سلبا على المتظاهرين، محذرا من خروج المظاهرات عن سيطرة الحكومة المحلية، وخصوصا أنهم متجهون نحو تأزيم وتصعيد التحركات ورفع سقف المطالب.

وفي الموصل جدد المتحدث باسم الحراك الشعبي هناك تمسكهم بالاعتصام والتظاهر حتى تحقيق كافة المطالب، وخصوصا أن حكومة بغداد تماطل بانتظار أمر من طهران.

وأضاف أن الحكومات المتعاقبة من إبراهيم الجعفري إلى نوري المالكي سلبت الحقوق السياسية من أهل السنة حتى تحولوا إلى شهود في الحكومة والبرلمان، ولفت إلى أن السياسيين لم يطالبوا "بحقوقنا" من قبل، والآن هم يريدون استثمار هذه التحركات لحصد أصوات في الانتخابات المقبلة، وهم يناورون بمطالبنا كي يحققوا مآرب شخصية.

المصدر : الجزيرة