خبراء ينتقدون الدعاية بانتخابات مصر

حملة مرسي غيرت عنوانها من النهضة إلى الوحدة
undefined

 

 
عبد الرحمن سعد-القاهرة 
 
مع بدء العد التنازلي لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بمصر، المقررة يومي السبت والأحد المقبلين، اشتعلت حدة المنافسة بين المرشحين د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، وبلغت ذروتها بتبادل الاتهامات باتباع أساليب الدعاية السوداء، وتشويه الخصم، واستخدام لغة أكثر تشنجاً وعنفا.
 
وقال خبراء إعلام إن دعاية المرشحين شهدت إسرافا بالوعود، واتباع أساليب السخرية من المنافس، وعدم إظهار الاحترام له، بل واللجوء للشتم، ونشر الأكاذيب، والتهديد المباشر، محذرين من مخاطر تحدق بسلمية العملية الانتخابية، مع توارد الأنباء بوقوع  اشتباكات بين أنصار المرشحين، في أكثر من مكان.

وتباينت أساليب الدعاية للمرشحين بين ملصقات ومنشورات ولافتات بالطرق، ومتابعة قنوات التلفزة، وبرامج الأثير، ومواقع النت، لأحدث تصريحاتهما وتحركاتهما، كما تنوعت الدعاية بين جولات شخصية، ومسيرات انتخابية، وفاعليات تسابق الزمن في انتظار بدء الصمت الانتخابي بعد غد الجمعة.

وحظرت لجنة الانتخابات الرئاسية على المرشحين التعرض لحرمة الحياة الخاصة لأي مرشح وعائلته، وتناول ما من شأنه زعزعة ثقة المواطنين في العملية الانتخابية أو عرقلتها أو المساس بالوحدة الوطنية، وأعراف المجتمع، واستخدام الشعارات الدينية، والعنف، والتهديد، والمرافق العامة، ودور العبادة، في الدعاية.

لكن "شفيق" شن هجوما على الإخوان في مؤتمر صحفي الأحد الماضي. وقال إن الجماعة تستخدم أساليب سوداء للدعاية المضادة له، مضيفا أنها تستخدم أساليب وصفها بـ"القذرة" لتشويه صورته أمام الناخبين, ووجه حديثه للإخوان قائلا "لا تستغلوا بيوت الله في الدعاية لمرشحكم".

وردت حملة مرسى بمؤتمر صحفي عقدته مساء اليوم نفسه، وقالت فيه إن شفيق بدأ يفرغ نفسه قبل دخول مرحلة الصمت الانتخابي للهجوم على الدكتور مرسى، مضيفة "يبدو أن البرنامج الانتخابي لديه انتهى، والآن يعمل على تشغيل ماكينة شائعاته" بينما اتهمت جماعة الإخوان "شفيق" بأنه يعمل على تشويه صورتها.

‪حملة شفيق لجأت إلى الهجوم الممنهج على الإخوان‬ (الجزيرة نت)
‪حملة شفيق لجأت إلى الهجوم الممنهج على الإخوان‬ (الجزيرة نت)

أشكال ومسارات
الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز أشار إلى أن هناك أربعة أشكال للدعاية باتت تهيمن على المشهد، أولها الدعاية الوردية، وهو نمط من الدعاية غير مسؤول، ويعطي فيه كل مرشح وعودا بلا أسقف، ويقدم حلولا لمشكلات مزمنة تعتمد على تمويلات ضخمة، دون أن يذكر مصدرا للتمويل بل إن أحد المرشحين (شفيق) قدم وعودا تنطوي على اختراق القانون. (التجاوز للمزارعين عن البناء على الأراضي الزراعية).

وأضاف للجزيرة نت أن الشكل الثاني هو الدعاية السوداء، وكانت موجودة في الجولة الأولى للانتخابات لكنها اتخذ مسارا تصاعديا مع اقتراب الإعادة، وفيها يطعن كل مرشح وأنصاره في المرشح الآخر عبر سلسلة من الأكاذيب والدعاوى غير المستندة إلى أي دليل.

والشكل الثالث هو الدعاية الساخرة، وبلغت أقصى ظهورها في وسائط التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، معتمدة على الاستهزاء بالمرشح الآخر، والحط من شأنه، عبر تكنيكات بعضها براق، وخفيف الظل، والبعض الآخر متجاوز، وغير أخلاقي.

أما الشكل الرابع للدعاية فهو الشتائم، وهو نوع أقل تعقيدا من الدعاية السوداء، وأكثر مباشرة من الساخرة، ويعتمد على السب، والقذف العلني المباشر.

وأضاف أنه من خلال هذه الأنواع يظهر احتدام المعركة، وأن كلا المرشحين لا يظهر احتراما كبيرا لآليات التنافس الشريف, موضحا للجزيرة نت أن ما يجعل الأمر خطيرا اقترانه بصعود لافت في لغة التهديد والوعيد، وزيادة حدة الدعاية السوداء، وتبادل الاتهامات، مما يجعلنا أكثر قرباً من المخاطر الميدانية.    

وبالنسبة لمسارات الدعاية فأشار إلى أنها ثلاثة، يتقدمها مسار تقليدي يتمثل بوسائل الإعلان التقليدية مثل الملصقات والإعلانات الخارجية والمنشورات والمؤتمرات، وثانيها الإعلام الجديد عبر الإنترنت، ويظهر في فيسبوك، وتويتر، والمدونات، والأجزاء التفاعلية بالمواقع، والرسائل البريدية.

أما المسار الثالث فهو إعلام المنابر، وظهرت مؤشرات تؤكد قيام خطباء باستخدام المنابر لترجيح كفة أحد المرشحين (مرسي) والربط بين انتخابه وإرضاء الله وإعلاء الإسلام، ومؤشرات أخرى بأن ثمة تأييدا من بعص الكنائس لشفيق.

‪سمير: الدعاية تحولت إلى غسل دماغ للمصريين‬ (الجزيرة نت)
‪سمير: الدعاية تحولت إلى غسل دماغ للمصريين‬ (الجزيرة نت)

غير أخلاقي
من جانبه يقول أستاذ الإعلام بجامعتي الأزهر وأوهايو د. أحمد سمير "نحن أمام مشهد غير أخلاقي يتحدد بمعيارين، أولهما: المبادئ العليا للمجتمع، من احترام الآخر، والترفع عن الصغائر، وهذا غير موجود، وثانيهما: الممارسة السياسية، ولكن ما يسود هو ثقافة الصراع، لا الاختلاف، والحكم بالأقوال لا الأفعال، دون وجود برامج انتخابية".

وأضاف أن كلا المرشحين استخدم الدعاية كافة، حتى أصبح الناخب يشعر بالحصار والتشبع، سواء من  وسائل الاتصال الجماهيرية (تلفزيون وصحافة) واستخدمها شفيق أكثر، أو في الدعاية الناعمة بالوجود على الأرض، بالمؤتمرات، واللقاءات الميدانية، ولجأ إليها مرسي أكثر.

ومن حيث الاتساق في المواقف، رأى د. سمير أن مرسي كان أكثر ثباتا في خطابه، فلم يقل كلاما ثم نقضه، بل كان واضحا في رفضه للمنافس، داعيا للتوحد في مواجهته، وفي المقابل فعل شفيق العكس، فقال كلاما ثم بدله، وفي البداية تجنب مهاجمة الخصم، وظهر كالمضطهد المستهدف بالحرمان السياسي، لكنه انقلب، وهاجم خصمه بضراوة، ولجأ للتهديد.

وأضاف "هكذا انتقلنا من مرحلة الإعلام والإقناع إلى الدعاية السوداء ثم غسل الدماغ الجماعي، بتكرار المزاعم، والإلحاح عليها، بهدف إحداث حالة من الهوس الجماعي، وإلغاء العقل".

وأوضح للجزيرة نت أن دهاء حملة شفيق أنها حاولت استغلال حقيقة أننا شعوب غير متفائلة، تؤمن دوما بالمؤامرة، وأن الناس تتعاطف مع الضحية، وتتطلع إلى الأمن، والحاكم "الباشا" مستدركا أن هذا الأسلوب لن ينجح مع نسبة كبيرة من أتباع المرشحين الخاسرين، لأنهم أقل تأثرا، وأكثر تشككا.

‪اتهامات للإعلام المصري بالانحياز‬ (الجزيرة نت)
‪اتهامات للإعلام المصري بالانحياز‬ (الجزيرة نت)

ذبذبة بالأداء
على مستوى الأداء الإعلامي، يرى عميد كلية الإعلام وفنون الاتصال بجامعة 6 أكتوبر د. شعبان شمس أن هناك "ذبذبة في الأداء" فأحيانا يبدو أحد المرشحين ملاكا، وأحيانا يبدو العكس، مما سبب حيرة كبيرة لقطاع عريض من الناخبين، ممن لا يستطيعون حتى الآن تكوين حكم نهائي بشأن كل مرشح، علما بأن "الناخب المرتقب كان أولى بمحاولة صيده".

وقال إن الحملات الإعلانية، وهدفها بيع الشخص للمجتمع، كانت أكثر حرفية بالنسبة لشفيق، بينما غلب الطابع الكلاسيكي على إعلانات مرسي.

وبالنسبة للحملات الإعلامية "لاحظنا اعتماد مرسي على استثارة المشاعر الدينية، اتساقا مع تياره وجمهوره، لكنه أخطأ بإعطائه الانطباع بأنه (ناجح ناجح)، وأنه غير مؤمن بصندوق الانتخابات، وقوله عن أتباع النظام السابق إنه سيتم الدوس عليهم بالأحذية".
 
وتابع, في المقابل تحدث شفيق في بداية الحملة بأسلوب فيه دبلوماسية، ثم بدأ ينفعل، ويهدد المختلف معه، كما لو أنه سيعلق له المشانق، وبلغ الأمر مداه باتهامه للإخوان بأنهم قتلوا الثوار في "التحرير".

لوحظ أن شفيق "يكشر" ويطلق ألفاظا قاسية، من مثل "العباسية بروفة" دون أن يعي أهمية التدقيق في عباراته، في حين لجأ مرسي إلى "اللف والدوران" عندما سُئل عن الاحتكام للصندوق

لغة الجسد
ورأى شمس أن كلا المرشحين فشل في ذلك، برغم أن نسبة 80% من نجاح  الرسالة الاتصالية تعتمد عليها "فقد فشلا في توظيف نظرات العينين، وحركات الأيدي..إلخ، لارتباط ذلك لديهما بالتهديد، وبدا ذلك عند مرسي، لأن التيار الديني يستخدم لغة الواعظ، وفيها قدر كبير من التوجيه والمباشرة، كما ظهر عند شفيق، إذ بدت عليه صرامة العسكريين".

ولوحظ أيضا أن شفيق "يكشر"، ويطلق ألفاظا قاسية، من مثل "العباسية بروفة"، دون أن يعي أهمية التدقيق في عباراته، في حين لجأ مرسي إلى "اللف والدوران" عندما سُئل عن الاحتكام للصندوق.

ولا يحبذ شمس الحديث حول نظارة مرسي، وبلوفر شفيق، لأنه ينطوي على إهانة، ملاحظا أن شفيق كلما التزم بالخطاب المكتوب كان أفضل، وأن مرسي عندما يتجنب الانفعال، خاصة في المؤتمرات الصحفية، يكون أفضل.

وكانت دراسة لمركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية ذكرت أن مرشحين استعانوا بخبراء بالدعاية والإعلان وفن الإتيكيت، وخبراء بالملابس، لتدريبهم على كيفية التعامل مع الجماهير.

المصدر : الجزيرة